في صباح يوم مشمس، اصطفّ عدد من طلاب كلية التمريض في جامعة العميد أمام حافلة صغيرة، وهم يحملون حقائب بمعدات الطبية أساسية، مثل جهاز قياس ضغط الدم وجهاز قياس السكر، بالإضافة إلى كتيبات إرشادية، استعدادًا لرحلة ميدانية في قضاء الحسينية.
هدفهم يكمن في تقديم الرعاية الصحية لكبار السن في هذه المناطق الريفية، حيث يعيش العديد منهم بعيدًا عن الخدمات الطبية المتاحة.
الرحلة تبدأ
انطلقت الحافلة بسرعة، محملة بالأمل في تقديم الدعم لكبار السن الذين قد يعانون من أمراض مزمنة دون أن يعلموا، يقول الدكتور حسين علاوي الغانمي، معاون عميد كلية التمريض للشؤون الإدارية، "في نهاية عام 2024 بدأنا تنظيم هذه الزيارات للمناطق الريفية، لأنّ كبار السن هم الأكثر عرضة للأمراض المزمنة، وبعضها قد لا تظهر أعراضها إلا في وقت متأخر".
يتابع الدكتور حسين "الكثير من الأمراض مثل ضغط الدم والسكري لا تظهر أعراضها المبكرة، وبالتالي نحن هنا اليوم لنقدم الفحص والنصائح الطبية التي قد تساعدهم في الوقاية أو حتى الشفاء".
أول لقاء مع الحاج أبي أحمد
عند وصول الفريق الطبي إلى منزل الحاج أبي أحمد، الذي تحيط به بساتين غنّاء من كل جانب، استقبلهم بابتسامة دافئة، مما أضفى على المكان طابعًا من الهدوء والراحة، رغم عزلته.
بدأ أحد أعضاء الفريق بسؤاله عن صحته اليومية ونمط حياته، بينما شرع آخرون في قياس ضغط دمه ومستوى السكر في دمه.
تفاجأ الجميع عند اكتشاف أنّ ضغط دمه مرتفع بشكل ملحوظ، وبابتسامة، قال الحاج أبو أحمد مازحًا، "هذا الجهاز يكذب! أنا بصحة جيدة".
لكن عندما تكرر الفحص، كانت النتيجة نفسها، تدخّلت إحدى الطالبات برفق، وقالت له "لا داعي للقلق يا حاج، لكن يجب عليك مراجعة طبيب مختص للحصول على العلاج المناسب."
ثم قدمت الطالبة عبير بعض النصائح الهامة "لتجنب ارتفاع ضغط الدم، يمكنك اتباع نظام غذائي صحي، وتجنب الملح، ومارس الرياضة بانتظام، وحافظ على وزن صحي، وتجنب التدخين"، ونصائح بسيطة قد يكون لها تأثير كبير على صحته.
"لو كنت أعلم لادّعيت المرض!"
انتقل الفريق إلى منزل آخر، حيث التقى بالحاج علي، الذي يبلغ من العمر 75 عامًا، وكان مملوءًا بالحيوية والنشاط، واستقبلهم بحفاوة وقال ضاحكًا، "لو كنت أعلم أن هناك زوارًا لطيفين مثلكم سيزورونني، لادعيت المرض منذ زمن".
رغم كبر سنه، اصطحبهم الحاج علي إلى المنازل المجاورة؛ ليكلمهم عن جيرانه الذين قد يحتاجون إلى رعاية طبية.
قال مبتسمًا، "هذه البيوت مملوءة بالقصص، وكل منزل يحمل قصة شخص مسن قد يحتاج إلى العناية"، ورغم تقدمه في العمر، وكان يواصل المشي دون تعب، ليظهر روح الكرم والتعاون.
القيم الإنسانية في العمل الطبي
بجانب الرعاية الطبية التي قدمها الفريق، كانت هذه الزيارة فرصة لتكوين روابط إنسانية عميقة مع سكان هذه المناطق، خصوصًا مع كبار السن الذين قد يعانون من الوحدة في كثير من الأحيان.
كان الطلاب يشعرون بأهمية مساهمتهم في حياة هؤلاء الأشخاص، ليس فقط عن طريق الفحوصات الطبية، بل من محادثاتهم التي أضفت البهجة على قلوبهم.
وفي نهاية اليوم، عاد الطلاب إلى الجامعة محملين بتجارب لا تُنسى. قال أحد الطلاب، وهو لا يزال متأثرًا بما شاهده، "تعلمنا اليوم أن مهنة التمريض ليست فقط عن الطب والعلاج، بل عن المشاركة في حياة الناس، ومنحهم الأمل، والتواصل معهم كأفراد".
دور التمريض في تقديم الرعاية الشاملة
وفي هذا السياق، أكّدت الدكتورة ربياء الشريفي، اختصاصية في الباطنية، على أهمية دور الممرضين إلى جانب الأطباء.
تقول، "الممرض هو حلقة الوصل بين الطبيب والمريض، وهو الشخص الذي يضمن استقرار الحالة الصحية، ويقدم الدعم النفسي والعاطفي للمريض في أثناء فترة العلاج".
وأشارت الشريفي إلى أنّ الجولات الميدانية تُسهم في تطوير مهارات الطلاب وتعزيز ثقتهم بأنفسهم.
"التجربة الحية في بيئات غير مألوفة تجعل الطلاب أكثر قدرة على التعامل مع الحالات الطارئة وتحقيق التفاعل الإنساني الفعّال".
مبادرة لافتة
مبادرة كلية التمريض في جامعة العميد تُعد نموذجًا مميزًا في دمج الجانب الطبي العلمي مع الجانب الإنساني، مما يعزز العلاقة بين الطلاب والمجتمع ويشجع على التعليم المستمر والتفاعل الفعال مع الناس.
وأكد الدكتور حسين علاوي الغانمي أن هذه الأنشطة هي جزء أساسي من البرنامج التعليمي في الكلية، إذ تساهم في تطوير مهارات الطلاب وتقديم خدمة طبية مجتمعية حيوية.
ويمكن وصف هذه الأنشطة بالـ "تجربة الميدانية الفريدة للطلاب في مجال التمريض، فهي لا توفر فقط الخبرة العملية، بل تمنحهم فرصة لتغيير حياة الناس وتحقيق تأثير إيجابي ملموس في المجتمع".
نبذة عن كلية التمريض
تأسست كلية التمريض في جامعة العميد في العام الدراسي 2017-2018 بمبادرة من قسم التربية والتعليم العالي في العتبة العباسية المقدسة، ورغم حداثة تأسيسها، حققت الكلية تقدمًا ملحوظًا في خدمة الطلاب مقارنة بالكليات الأخرى.
وتسعى إلى تزويد المجتمع بكوادر تمريضية وصحية مؤهلة، إذ تتوزع برامجها الأكاديمية على فروع عِدّة، منها تمريض البالغين والأطفال، صحة المجتمع، الصحة النفسية والعقلية، بالإضافة إلى العلوم الأساسية، وتضم الكلية كادرًا تدريسيا وفنيًا مختصًا في كل فرع.
حققت الكلية مراكز متقدمة في الامتحانات التقويمية لثلاث سنوات متتالية، وحصلت في العام الماضي 2024 على المركز الأول بين كليات التمريض في العراق والمركز الرابع بين الكليات الحكومية والأهلية حسب التصنيف الوطني العراقي.
تتوافر فيها قاعات دراسية كبيرة وصغيرة، مخصصة لإقامة المحاضرات والورش والدورات التدريبية، أمّا بالنسبة للخريجين، فقد عُيِّنَ عدد منهم في مستشفى الكفيل بموجب اتفاقية مع جامعة العميد، ويحصل الأوائل على الأولوية في التعيين بعد اجتيازهم "دورة تدريبية"، حتى بعد تعيينهم في وزارة الصحة، يتمّ استدعاؤهم للعمل بنظام ساعات مسائية للاستفادة من خبراتهم.