image alt

هوية كربلاء البصرية... بين المخاوف وضرورات التوسعة

هوية كربلاء البصرية... بين المخاوف وضرورات التوسعة


تعد مدينة كربلاء واحدة من أبرز المدن التاريخية والروحانية في العالم الإسلامي. ومع ذلك، فإن التوسعات التي شهدتها العتبة العباسية بعد عام 2003، أثارت نقاشات حول كيفية الحفاظ على الهوية البصرية والتراثية لهذه المدينة العريقة في ظل التحديثات الضرورية لتلبية احتياجات الزائرين المتزايدة. 

هنا نسلط الضوء على الجهود المبذولة، التحفظات المثارة، وآراء الخبراء والمهتمين بالتراث. بعد 2003، شهدت العتبة العباسية في كربلاء ومحيطها توسعة كبيرة، فبشكل افقي تمت إضافة مساحة تقدر بـنحو 30 ألف متر مربع لتستوعب الأعداد المتزايدة من الزائرين، وقد ازيلت عشرات المباني في إطار هذه الخطة.

لقد حصل أصحاب المباني المزالة على تعويضات عادلة اخذت بعين الاعتبار أسعار سوق العقار في المدينة القديمة. ومع ذلك اثارت هذه العملية تحفظات لدى مهتمين بالتراث، وأعرب بعضهم عن الاعتقاد بأن من بين المباني والأماكن التي تمت ازالتها ما يمكن اعتباره تراثيا.

الحاج قاسم المعملجي، واحد من عدة اشخاص أعربوا عن تحفظهم على عملية إزالة بعض المباني، حيث" هناك مبان لها ذكريات محفورة في ذاكرة المدينة وكان من المهم الحفاظ عليها بطريقة أو بأخرى لحفظ الذاكرة الكربلائية" على حد قوله.

ويعتقد، وهو من سكنة المدينة القديمة، أن الطراز المتبع في تشييد المباني الجديدة يختلف عما كانت عليه المباني السابقة التي اعتبرها ذات طابع معماري تاريخي مميز.

وتعد مدينة كربلاء من المدن التاريخية العريقة، والتي نشأت إثر استشهاد الإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام في معركة الطف الشهيرة في العقد السادس للهجرة، إذ حرص المسلمون الشيعة على السكن إلى جوار مراقد الشهداء الأطهار منذ ذلك الحين.

وفي مقابل ما ابداه، المعملجي، من تحفظات على عملية التوسعة، يرى آخرون أن الطبيعة الدينية لكربلاء، جعلتها مدينة عالمية، يقصدها ملايين الزوار سنويا من مختلف دول العالم، وهو ما يدعو برأيهم الى توسعة المدينة القديمة لاستيعاب هذه الاعداد، مع الحفاظ على الملامح الأساسية لكربلاء المقدسة.

يقول، علي باسم مجيد، من سكنة مدينة كربلاء، إن" التوسعة ضرورية لإضافة مساحات وانشاء مبان خدمية، وكل ما تمَّ يصب في مصلحة الزوار ويترك انطباعا حسنا لدى من يأتي منهم من دول اخرى".

 كربلاء برأيه أصبحت واجهة للعراق كله، ما يحتم على المعنيين إظهار هذه المدينة بأبهى صورها واستحداث مبان خدمية وغير خدمية وبما يوفر حالة من الرضا لدى الزوار.

فيما يشير، فائق الجزائري، باحث مختص بالعمارة الإسلامية، الى أهمية تجسيد معالم العمارة التاريخية لمدينة كربلاء في كل ما يتم إنشاؤه من المباني، ويقول "من المهم حفظ التراث الفكري والحضاري لكربلاء كونه جزءاً لا يتجزأ من هوية المدينة". 

لكنه يستدرك بالقول "هناك ضرورة لمواكبة التطور والحداثة وانشاء مبان جديدة، مع مراعاة العمارة الأصلية للمدينة، وخاصة في المباني ذات الصفة النادرة التي يمكن اعتبارها أثرا ثقافيا او دينيا".

من جانبه أوضح، نائب الأمين العام للعتبة العباسية المقدسة، المهندس عباس موسى أحمد أن إدارات العتبة منذ 2003 وإلى هذا اليوم تراعي الحفاظ على الهوية الإسلامية من خلال تشييد المباني الموجودة في العتبة العباسية المقدسة وبتوجيه مباشر من سماحة الأمين العام للعتبة، سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزه).

وقال "حرصنا على الحفاظ على الطابع المعماري القديم للصحن الشريف وما يحيط به، مع مراعاة ذات النقوش الإسلامية والتراثية. وحتى في مجال الإنارة، تأكدنا من أن الإضاءة متماشية مع الطراز التراثي، مما يعزز من روح الأصالة والجمال للمكان."

مشيرا الى أن الحفاظ على هوية كربلاء الدينية من خلال العمارة الإسلامية يعتبر من أهم الوصايا لقسم المشاريع الهندسية والشركات والجهات المنفذة. 

يُذكر أن عملية التوسعة الأفقية للعتبة العباسية كانت ذات أهمية قصوى، إذ أضافت مساحات جديدة تتيح لحشود الزائرين خلال المناسبات المليونية حرية أكبر في ممارسة شعائرهم. كما تم إنشاء مجموعات خدمية في هذه المساحات لتقديم الخدمات الضرورية للزوار.

وتعليقا على ما أثير من جدل حول موضوع التوسعة، رأت نقابة المهندسين في كربلاء المقدسة على لسان رئيسها، محمد فاضل النصراوي أن العتبة العباسية المقدسة راعت العمارة الإسلامية، والظروف المناخية والبيئية في المباني التي شيدتها ويرى أن "لكل زمن طرقه الخاصة من إعمار وبناء يتناسب ويتلاءم مع الظروف".

وهو ما أكده رئيس قسم المشاريع الهندسية في العتبة العباسية المقدسة، ضياء الصائغ، حيث ذهب الى ان القسم لا يركز فقط على الجوانب الخدمية والاقتصادية، بل هناك جوانب أخرى تمثل أولويات يجب الحفاظ عليها وإدامتها.

موضحاً، "الحفاظ على الإرث الديني يعد من أبرز الجوانب التي نالت حيزاً من اهتمام القسم عبر عدة مشاريع وشعب مختصة بهدف الحفاظ على الطراز الإسلامي واللمسة المعمارية التراثية".

ويضيف، "جميع مشاريع التوسعة الحاصلة تركزت على إبراز العمارة والتراث الاسلامي القديم، ابتداء من استخدام الكاشي والأرضيات والجدران والتصاميم، وصولاً إلى الزخارف والخطوط المنقوشة".

ولفت الى ان جميع مشاريع التطوير حظيت بحرص القسم على ألا تؤثر أعمال التأهيل والتطوير على الهوية المعمارية للمدينة وصبغتها التاريخية.

في غضون ذلك، يرى محمد علي، زائر من مدينة الناصرية جنوبي العراق أن المدينة القديمة المحيطة بالعتبات المقدسة وسط كربلاء، تشهد سنويا تطورا ملحوظا وقال" لمست بين زيارة وأخرى فرقا بمستوى ما يتم إنجازه في المدينة القديمة من مشاريع عمرانية وخدمية".

معتبرا ذلك إنجازا مهما يحسب للقائمين على إدارة العتبات الدينية يعكس حرصهم على خدمة المزارات الشريفة وزوارها القادمين من مختلف المناطق والدول.

إن توسعة العتبة العباسية في كربلاء تمثل مثالاً على التحديات التي تواجه المدن التاريخية العريقة في سعيها لتحقيق التوازن بين التطور والحفاظ على التراث. 

بالرغم من التحفظات التي أبداها البعض، إلا أن الجهود المبذولة لضمان استمرارية الهوية البصرية للمدينة وتلبية احتياجات الزائرين تظهر التزامًا حقيقيًا بالتجديد مع الحفاظ على الأصالة. 

تظل كربلاء رمزًا للتراث الإسلامي ووجهةً عالمية، ورغم التحديثات المستمرة، فإن الحفاظ على الهوية المعمارية والثقافية سيظل دائمًا في صدارة الاهتمامات.