image alt

من كربلاء إلى إفريقيا

من كربلاء إلى إفريقيا

الساقي يروي العطاشى

في أعماق القارة السمراء، حيث تشتد الحاجة إلى أبسط مقومات الحياة، إلا أن بصيص أمل بدأ يشع من خلال مشروع إنساني عظيم، هو مشروع "ساقي عطاشى كربلاء", انطلاقًا من إيمانها العميق بالإنسانية، قامت العتبة العباسية المقدسة، كعادتها، بتقديم مئات المشاريع لخدمة الناس، حيث بادر مركز الدراسات الأفريقية التابع لقسم الشؤون الفكرية، الى حفر آبار مياه في العديد من الدول الأفريقية، لتوفير حياة كريمة لسكان تلك المناطق, هذا المشروع الذي يجسد قيم التضامن الإنساني ويعبر عن عمق العلاقة بين الشعوب، قد غير حياة آلاف الأفارقة وحول معاناتهم من العطش إلى فرحة وبهجة.

هل تتخيل أن تمشي كيلومترات طويلة يوميًا للحصول على مياه الشرب؟ هذا هو الواقع والمعاناة التي كان يعيشها كثير من سكان القرى الأفريقية قبل أن يصل إليهم مشروع "ساقي عطاشى كربلاء".

من كربلاء إلى أفريقيا.. قصة عطاء

يقول مسلم الجابري، مسؤول وحدة التبليغ في المركز، "تأسس مركز دراسات الأفريقية التابع للقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية عام 2013، وشمل وحدات متنوعة منها وحدة التبليغ والبحوث والدراسات".

ويضيف، "من خلال الزيارات الميدانية المتكررة إلى القارة الأفريقية، لاحظ فريق المركز معاناة كبيرة يعيشها السكان، خاصة في الحصول على المياه النقية، ففي عام2015، خلال زيارتنا إلى تنزانيا، شاهدنا بأعيننا معاناة السكان من جراء شرب المياه الملوثة، مما دفعنا إلى التفكير في حل جذري لهذه المشكلة".

وبين الجابري، "بعد العودة من الرحلة، تم طرح مقترح إطلاق مشروع "ساقي عطاشى كربلاء" تيمناً بساقي العطاشى أبي الفضل العباس (عليه السلام)، وقد لاقى المشروع ترحيباً واسعًا من قبل إدارة العتبة العباسية متمثلاً بمتوليها الشرعي سماحة السيد أحمد الصافي (دام توفيقه)".

وتابع، "بدأ العمل على تنفيذه عام 2021, بدأت بذور المشروع بالتجذر في دولة غانا، ومن ثم انتشر إلى أكثر من عشر دول أفريقية، حيث تم حفر أكثر من 45 بئراً حتى الآن".

ويضيف، "يتولى مسؤولية الصيانة الدورية لجميع الآبار التي تم حفرها، وذلك لضمان استمراريتها وتوفير المياه النقية للمستفيدين, كما يقوم المركز بإجراء زيارات ميدانية منتظمة لمواقع الآبار للتأكد من وصول المياه إلى جميع السكان من دون تمييز.

وأضاف السيد الجابري، "عند افتتاح كل بئر، يحرص فريق المركز على تنظيم احتفال يجمع السكان المحليين والمسؤولين الحكوميين، ويتم تسمية الآبار بأسماء أئمة أهل البيت عليهم السلام وأصحابهم، مما يسهم في نشر الثقافة الدينية وتعريف المجتمع بهذه الشخصيات وماذا قدمت للإسلام".

يشير السيد مسلم الجابري، "مشروع ساقي عطاشى كربلاء هو تجسيد حي لروح العطاء والإيثار التي تتميز بها العتبة العباسية المقدسة. ونحن فخورون بما حققناه حتى الآن".

مؤكدا، "سنواصل جهودنا لتوسيع هذا المشروع وخدمة أكبر عدد ممكن من المحتاجين في القارة الأفريقية".

لافتا، "لقد كانت ردود أفعال السكان إيجابية للغاية، عبروا عن شكرهم وتقديرهم لهذا المشروع الإنساني الذي غير حياتهم بشكل جذري فبعد أن كانوا يقطعون مسافات طويلة للحصول على قليل من المياه الملوثة، أصبح لديهم الآن مصدر مياه نظيف وآمن".

أول بئر تم حفره في القارة السمراء

في القارة الأفريقية، حيث تشتد الحاجة إلى أبسط مقومات الحياة، أضاءت شمعة أمل بفضل مشروع ساقي عطاشى كربلاء في قرية نائية بدولة الكاميرون، كانت الحياة قاسية بسبب شح المياه النقية، كان أطفال القرية يقطعون مسافات طويلة يوميًا بحثًا عن مصدر ماء، والنساء يقضين ساعات طويلة في حمل أواني المياه الثقيلة.

بناءً على توجيهات سماحة المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة دام عزه، تم اختيار هذه القرية لتكون أولى القرى المستفيدة من المشروع، وبعد دراسات ميدانية معمقة، تم حفر بئر ارتوازي عام (2021)، وحملت اسم الإمام الهادي (عليه السلام). هذه البئر تخدم أكثر من (500) عائلة من المسلمين ومن المسيحيين، توفر مياها نقية لسكان القرية، ويُتوقع أن يستمر في العمل لعشر سنوات قادمة، مع صيانة دورية سنوية يقوم بها المركز عبر منسقيه في تلك المنطقة.

لم يكن حفر البئر مهمة سهلة، فقد واجه فريق العمل العديد من التحديات، إلا أن إيمانهم بأهمية هذا المشروع دفعه للتغلب على المصاعب، واليوم وبعد سنوات من الجهد المتواصل، يقف سكان القرية فرحين وهم يشربون من مياه البئر النقية.

هذا المشروع ليس مجرد حفر بئر، بل هو رسالة أمل وتضامن من العتبة العباسية المقدسة إلى الشعوب الأفريقية.

إنه تجسيد لقيم الإخاء والتعاون الإنساني، وهو امتداد لمسيرة العتبة في خدمة المجتمعات المحتاجة.

ولا يقتصر دور المشروع على توفير المياه النقية، بل يتعداه إلى تحسين الظروف الصحية والبيئية في القرية، وكما أنه أسهم في تقريب المسافات بين الثقافات، ونشر قيم التسامح والتعايش السلمي.

آبار الأمل في 10 دول أفريقيا

في خطوة إنسانية نبيلة، امتدت أيادي العطاء من العراق إلى القارة الأفريقية لتصل إلى القلوب والعقول فبفضل مشروع ساقي عطاشى كربلاء الذي أطلقته العتبة العباسية المقدسة، تم حفر آبار مياه في عشر دول أفريقية هي (مدغشقر، غانا، الكاميرون، السنغال، ساحل العاج، تنزانيا، بوركينا فاسو، سيراليون، تشاد، ونيجيريا).

يهدف المشروع إلى تعزيز التعاون بين الشعوب ونشر قيم التسامح والإخاء، كما يسعى المشروع إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما هدف توفير المياه النقية للجميع، يمثل هذا المشروع نموذجًا يحتذى به في العمل الإنساني، حيث يظهر كيف يمكن لمبادرة بسيطة أن تغير حياة مجتمعات بأكملها.

بركة العباس(ع) تغطي أرض غانا

في قلب القارة السمراء، تتجلى قصص إنسانية مؤثرة تبعث الأمل في نفوسنا، قصة الشيخ شعبان آدم من دولة غانا، ممثل مركز الدراسات الأفريقية في العتبة العباسية، الذي سافر إلى غانا حاملًا معه حلمًا بتوفير المياه النظيفة لسكان قرية كاسوا، في إطار مشروع ساقي عطاشى كربلاء، هي واحدة من تلك القصص التي تستحق أن تُروى.

في رحلة مؤثرة، توجه الشيخ شعبان لقرية كاسوا المتنوعة دينياً، حيث يعاني السكان من شح حاد في المياه الصالحة للشرب، كانت المياه المتاحة ملوثة وغير صالحة للاستخدام الآدمي، مما شكل تهديدًا كبيرًا على صحتهم وحياتهم اليومية.