
توسعة الطرق وإنشاء باحات عملاقة في المدينة القديمة
لا تمر شاردة أو واردة من دون تمحيص وتدقيق، ومتابعة عن كثب لأدق التفاصيل، فما يُعمل على إنجازه يعد نقلة نوعية على صعيد أهم المدن في الشرق الأوسط والعالم على حد سواء، كما يعلق الأستاذ ضياء الصائغ.
فالرجل الذي يتولى إدارة أحد الأقسام الرئيسة المهمة في العتبة العباسية المقدسة، يضع نصب عينيه إتمام المشروع المكلف به على أتم وجه، مخصصا له الجزء الأغلب من وقته يوميا.
إذ ينفذ قسم المشاريع الهندسية الذي يرأسه الصائغ مشروع تطوير الجزء الشرقي من المدينة القديمة في محافظة كربلاء المقدسة، وتحديدا المنطقة المحيطة بالعتبة العباسية المقدسة، تلك المدينة التي تستقطب سنويا عشرات ملايين الزوار من مختلف أنحاء العالم، كونها تحتضن مراقد سبط النبي محمد صلى الله عليه وآله الامام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام والعشرات من شهداء معركة الطف الأليمة.
يقول الصائغ، "هذا المشروع أُعد عام 2014 ويجري العمل عليه وفق مراحل لا تؤثر بشكل كبير على زوار العتبات المقدسة"، مبينا شمول الأعمال التي يتولاها القسم تطوير بناية العتبة العباسية المقدسة إلى جانب المحلات السكنية المجاورة للحرم".
وبحسب أهالي المدينة فان أعمال التطوير مستمرة منذ عدة سنوات، تخللتها أعمال هدم وإزالة لعدد من المباني المحيطة بمرقد أبي الفضل العباس عليه السلام، إلى جانب المشيدات من الأبنية على جانبي شارع باب القبلة، أحد الشوارع الرئيسة الكبرى في المدينة القديمة.
فيقول السيد عبد الحسين الخفاجي أحد سكنة محلة باب النجف، "باشرت العتبات المقدسة أعمال توسعة الممرات والشوارع المحيطة بها منذ أكثر من عشر سنوات ولا تزال مستمرة".
ويضيف، "ازيحت العشرات من الأبنية كالفنادق والمحال التجارية والأسواق نظرا لضيق الطرق والمساحات في المدينة القديمة".
مبينا، "بعد إزالة تلك المشيدات اتسعت المساحات والطرق مما أتاح انسيابية أكبر لحركة ومرور الزوار خصوصا في المناسبات التي تشهد حشودا مليونية".
مشيرا إلى أنها "إجراءات بالغة الأهمية خصوصا بعد ارتفاع المشاركين في الزيارات بشكل سنوي".
واظهرت البيانات الرسمية مشاركة أكثر من أربعة عشر مليون زائر في مراسيم إحياء زيارة الأربعين الأخيرة، وشملت زائرين من داخل العراق وخارجه.
ويلفت رئيس قسم المشاريع الهندسية السيد ضياء الصائغ إلى، أن "أعمال التوسعة ضمت انشاء صحن أم البنين عليها السلام شمال العتبة العباسية المقدسة".
مبينا، "انطلق المشروع فور استملاك المباني لصالح العتبة المقدسة بعد شرائها من الأهالي بمبالغ مرضية".
ويضيف بأن "صحن أم البنين عليها السلام المخصص للنساء سيضم في حال اكتماله إلى صحن أبي الفضل العباس عليه السلام، وتبلغ مساحته 20 الف متر مربع وسيشتمل على سرداب كبير تحت الأرض".
وبحسب بعض الأهالي فقد واجهت عمليات استملاك الأراضي صعوبات كبيرة كانت أحد أبرز الأسباب التي عرقلت الاستمرار بعمليات التطوير، كون بعض الملاك يرفضون لأسباب نفسية واعتبارات شخصية التخلي عن عقاراتهم على الرغم من أهمية المشروع، فضلا عن أن بعض أصحاب المباني خارج العراق.
فيقول السيد حسين عبد الكريم أحد السكان السابقين لمحلة باب الخان في المدينة القديمة، 'كثير من السكان لا يفضلون بيع منازلهم بسبب قربها من العتبات المقدسة التي تحتل مكانة عظيمة في نفوسهم'.
مبينا، 'يدرك الناس أن أي مبلغ مالي لا يعوض جوار الإمام الحسين أو اخيه العباس عليهما السلام'.
ويستدرك السيد حسين -ومظاهر التأثر بادية عليه وعيناه مغرورقتان بالدموع-، 'لكن خدمة العتبتين وزوارهما عبر توفير أماكن مريحة تتسع لهم واجب اخلاقي ومروءة يجب أن يتحلى به أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام'.
ويكمل، 'آثرنا على أنفسنا خدمة الزوار تأسيا بأئمتنا عليهم السلام الذين جادوا بأنفسهم في سبيل خدمة الدين والانسانية'.
من جانب آخر بعض المراقبين لا سيما المهتمين بالشؤون التراثية والثقافية أبدوا رغبتهم في مراعاة العتبات المقدسة الإرث الإنساني والتاريخي للمدينة القديمة، خصوصا أن في طيات عمارتها ذكريات لأحداث تاريخية مهمة.
فيقول الباحث في الشأن التراثي بهاء حميد، "كثير من معالم المدينة التراثية تم القضاء عليها في زمن النظام البائد'.
مبينا أن "الكثير من مباني مدينة كربلاء المقدسة تعد تراثية، ومن الضرورة أن يكون لإدارة العتبات المقدسة قرار في إعادة تشييدها.
مشددا، على "إنشاء مبان تعكس التراث الكربلائي وهو امر في غاية الأهمية لما يحمله من طابع روحاني وطابع تراثي".
بدوره يقول المواطن عقيل عبد الرحمن، إن "التوسعة في كربلاء المقدسة أمر هام لأنها مدينة عالمية وتاريخية إسلامية معروفة وتحت أنظار العالم اجمع".
ويضيف، "كثير من المباني التراثية والمحال القديمة في المدينة القديمة التي ازيلت نتيجة التوسعة أمر مؤلم بعض الشيء للأهالي لما تحمله من رمزية ومكانة لديهم، ولكن ما يخفف هذا الألم حجم المساحات المضافة والسعة الواضحة وانتشار المجمعات الخدمية والمرافق الصحية للزائرين".
مشددا، "كل شيء أمام من صنع اسم كربلاء ومكانتها الإسلامية والعالمية هو قليل، فلا بد لنا أن نتخلى عن بعض الاماكن التراثية في سبيل إظهار المدينة بأفضل ما يمكن واضفاء روح الحداثة ومواكبة الزيادات الهائلة في أعداد الوافدين إليها".
بدورها بددت الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة مخاوف بعض المواطنين من ضياع هوية كربلاء التراثية، مؤكدة على مراعاة هذا الجانب بشكل كامل.
فيقول السيد الصائغ، 'سماحة السيد أحمد الصافي أكد على حفظ معالم المدينة القديمة السياحية والدينية، لا سيما الحفاظ على تراثها وأسواقها'.
مبينا، 'لذلك كان من خطط التصميم هو إنشاء أواوين ومحلات وأسواق على جانبي شارع باب قبلة مرقد أبي الفضل العباس عليه السلام بطراز شبيه بالأسواق القديمة، وإعادة ترميم سوق الصفارين وسوق العلاوي وسوق باب الخان'.
كاشفا، 'تتضمن خطة توسيع شارع باب القبلة إنشاء متحف كبير يعكس تاريخ المدينة وتراثها الحضاري والشعبي'.
مشيرا، 'بلغت نسبة إنجاز الأساس إلى 75 بالمية'.
ويسترسل الصائغ في حديثه مبديا همته، 'باشرنا قبل أشهر بالمرحلة الثانية وشملت باب القبلة والبوابة الجنوبية لمرقد أبي الفضل العباس عليه السلام، ومن ضمنها إنشاء سرداب على امتداد شارع العباس تحت الأرض بمساحة 15 آلاف متر مربع".
مشيرا إلى أنه "سيعلو بناية المتحف منارة بارتفاع 80م'.
وكما تكشف مخططات هندسية أن أسواقا جديدة ومحلات في حدود 70 محلا تجاريا تشيد بطراز معماري تراثي على امتداد شارع باب قبلة أبي الفضل العباس عليه السلام، تحت المسمى القديم بسوق الصفارين وسوق العلاوي، وهي ترمز للأسماء القديمة للمحلتين في المدينة القديمة.
ويبين رئيس قسم المشاريع الهندسية ضياء الصائغ، 'بعد إكمال المرحلة الأولى والثانية سنبدأ بالمرحلة الثالثة والمرحلة الرابعة والتي تمتد من صحن أم البنين إلى منطقة باب بغداد، وسيصبح مشروعا متكاملا فوق الأرض وتحتها لم يعلن بشكل كامل'.
ويتابع بأن 'المدة المقررة للمرحلتين الثانية والثالثة 3 سنوات، اما المرحلة الرابعة مدتها 5 سنوات، وسرعة الإنجاز تعتمد على تخصيص الأموال في ميزانية كل سنة من وزارة التخطيط والدولة العراقية'.
كاشفا، "بدأنا العمل على استملاك الأراضي والدور والمطاعم والفنادق الواقعة ضمن هذا الحيز'.