من يسقي عطش كربلاء؟

العتبة العباسية تؤمن الحياة لكربلاء وزوارها


على الرغم من السعة المائية التي يشهدها العراق خلال العامين الماضيين، إلا أنّ الباحث أحمد ناصر لا يخفي قلقه الشديد إزاء ما يراه أزمة خطيرة على صعيد وفرة المياه قد تواجه كربلاء، مردداً عدة تساؤلات على رأسها، ماذا لو انقطع الماء عن المدينة.

ذلك التساؤل المشروع لا ينفك عن مراودة ذهن ناصر طيلة الوقت، خصوصاً عندما تشهد مدينة كربلاء مواسم الزيارات المليونية، إذ تقصدها الحشود من مختلف أرجاء العراق، ومن خارجه أيضاً.

ويعلق قائلاً، "تخيل انقطاع الماء عن المدينة خلال زيارة الأربعين، فأي كارثة ستحل بالمدينة".

وتعمد مدينة كربلاء المقدسة على أحد جداول نهر الفرات، والمسمى بنهر الحسينية في التزود بإمدادات مياه الشرب والسقي والاستخدامات الأخرى، ولا يوجد مصدر مياه طبيعي بديلاً عنه.

يقول ناصر، "سبق أن تعرضت المدينة لنكبة أكثر من مرة على صعيد انقطاع المياه". مبيناً، "في انتفاضة عام 1991 أقدم النظام الديكتاتوري على قطع المياه عن المدينة إيغالاً في سلوكه الإجرامي في عقاب أهلها الطيبين".

ويضيف، "كما كرر هذا الأمر تنظيم داعش الإرهابي عندما أغلق ناظم الفلوجة عام 2016".

بدوره يؤيد عدنان الصالحي مستشار محافظ كربلاء ما يذهب إليه الباحث أحمد ناصر، لافتاً إلى أن عدة مخاطر مرجحة قد تواجه المدينة في قادم الأيام.

فيقول، "العراق يمر بأزمة كبيرة جداً ومستمرة بسبب شحة المياه، وستصبح المياه بالمستقبل أغلى من الذهب بل تشترى بالذهب".

ويضيف، "لذلك لابد لكل مؤسسة رائدة ومسؤولة تهتم بدراسة المستقبل وضع مشاريع استراتيجية تهدف إلى حلول بديلة لحل المشكلات الموجودة التي لولاها سيكون المستقبل خطيراً جداً على الأجيال القادمة خصوصاً مع زيادة الاحتباس الحراري والجفاف المتزايد والاستغلال السيئ للمياه".

ويعزو أحمد فاضل معاون مدير مديرية ماء محافظة كربلاء التهديدات الدائمة التي تواجهها المدينة إلى اعتمادها على مصدر مائي وحيد في غالب الأوقات لا يلبي الاحتياجات الفعلية للمحافظة.

فيقول، "تعتمد كربلاء بصورة مباشره على مصادر المياه من الفرات ويعد مصدرا رئيسا عن طريق سدة الهندية وعن طريق جدولين رأسيين هما جدول الحسينية وجدول بني حسن".

مبينا، "الإجراءات التي تتبعها المديرية لمواجهة شحة المياه هو تطبيق نظام (المراشنة)، أي استخدام جدول في توزيع المياه بين الفلاحين".

ويضيف، "مع حلول كل زيارة تشهدها مدينة كربلاء نطالب الجهات العليا بزيادة الحصص المائية كون المتوفر لا يلبي الحاجة، فضلاً عن تعرض محطات الإسالة إلى ضغوط كبيرة".

ويرى مسؤول إعلام ماء كربلاء "ضرورة وضع خطط ومشاريع لتنويع مصادر المياه وترشيد استهلاكها بشكل مدروس لتلافي الأزمات الخطيرة".

وتتميز مدينة كربلاء المقدسة إلى جانب كونها مدينة كبرى على صعيد السياحة الدينية في العراق، بكونها مدينة زراعية تحيطها البساتين والمزارع بصورة شبه كاملة، الأمر الذي يتطلب زيادة امدادات المياه كما يرى المختصون.

فيقول حيدر عبد الستار عضو نقابة المهندسين الزراعيين، إن "العراق بشكل عام يمر بأزمة شحة المياه ويعد من البلدان المعرضة للجفاف".

مستدركاً، "لكن هناك مشاريع استراتيجية للاعتماد على المياه البديلة، والمعني به حفر الآبار للاستفادة من المخزون المائي الموجود في باطن الأرض".

ويضيف، "وفق الدراسات العلمية الأخيرة فإن العراق يتمتع بالمياه الجوفية، وهي على عمقين، العمق الأول يصل إلى 100 متر للأراضي الصحراوية، وعمق 300 متر في الأراضي الزراعية".

مشروع الساقي

تلك التطلعات التي يأملها المعنيون كانت إجابتها لدى الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة، إذ أشار الأستاذ جسام السعيدي معاون رئيس قسم الإعلام إلى أن الملاكات الهندسية في العتبة المقدسة أنجزت بشكل تام مشروع المياه البديلة تحت عنوان مشروع الساقي.

فيقول، "تلك المخاوف والتطلعات لم تغب عن ذهن المتولي الشرعي والملاك المتقدم في العتبة العباسية المقدسة، وقد أفردت لهذا الأمر اهتماماً استثنائياً".

مبينا، "أنجز قسم الشؤون الهندسية في العتبة المقدسة مشروع الساقي، كبديل لمدينة كربلاء من الناحية الاستراتيجية في حال لو حصل ما حصل في نهر الفرات، أي انقطعت عنه مصادر النهر الرئيسة".

ويضيف، "مشروع الساقي خطة بديلة يمكن الاعتماد عليها في تغذية مدينة كربلاء لسنوات عديدة، وهو بمثابة نهر صغير بديل لنهر الفرات في حال أي طارئ".

وكما يبدو ان هذا المشروع يلاقي ترحيباً من معظم المراقبين، فيقول عدنان الصالحي نرحب بمشروع الساقي ونأمل أن يكون بديلاً استراتيجياً لحل أزمة المياه".

مشيرا إلى، "ضرورة دراسة الأولويات في هذا المشروع وكيف تصرف المياه لأنها موارد استراتيجية بعيدة المدى".

وفي الوقت الذي أبدى فيه أحمد فاضل المسؤول في مديرية ماء كربلاء ارتياحه للمشروع، وحذر مما وصفه بالاستخدام الجائر.

فيقول، "هناك مخاوف من الاستخدام المفرط للمياه الجوفية لأنها مياه استراتيجية مخزنة طبيعياً للاستفادة منها في الأجيال القادمة".

موضحا، "حتى الآن العتبة المقدسة ملتزمة كما يبدو بالسقوف المفترضة لاستخراج المياه الجوفية ولم نلحظ أية زيادة في نسب ومعدلات الاستخراج".

بدوره أوضح الحاج زكي صاحب مدير المشروع متى وأين كانت الانطلاقة التأسيسية وما تم إنجازه، فيقول، "أسس مشروع الساقي في عام 2014 وتم العمل به فعليا في عام 2017".

مبينا، "كان الهدف الأساس وراء بناء هذا المشروع مواجهة الشحة المائية الموجودة التي يمر بها العراق من انحسار بالمياه بشكل كبير ناهيك عن الظروف الأمنية القاسية ومنها احتلال داعش لمحافظات عديدة من العراق وخصوصاً المحافظات التي يمر عبرها نهر الفرات".

ويضيف، "يقع هذا المشروع جنوب غرب كربلاء بمسافة 55 كم، وتبلغ عدد الآبار المشيدة في هذا المشروع 64 بئراً تم ربطها عن طريق شبكة من الأنابيب بمسافة (75) كم لجميع الآبار".

موضحاً، "بوشر بالمشروع بعد أن أجريت دراسات مستفيضة وبحوث أفضت إلى أن يتم استثمار المياه الجوفية".

ويتابع، "بلغت الطاقة الإنتاجية في المراحل الأولى للمشروع من 20 إلى 30 لترا في الثانية الواحدة للبئر الواحدة، إذ وضع برنامج خاص لمراقبة تدفق المياه وقياسها بشكل دوري من أجل الوقوف على كمياتها".

مشيراً، "جرى تخصيص 3 آبار لوزارة المواد المائية لأغراض الدراسة والبحث العلمي من أجل تطوير المشروع والرقي به".

وذكر الحاج زكي إن الآبار تستخدم في سقي المزارع المتنوعة في المشروع ومنها مزارع النخيل ومزارع الحنطة والشعير والأصناف الأخرى من الفواكه وضمن خطط معدة مسبقاً تواكب التقنيات الحديثة في ترشيد المياه.