image alt

صناعة التمور... ثروة وطنية تنتظر الاستثمار

صناعة التمور... ثروة وطنية تنتظر الاستثمار


يمضي محمد علي معظم وقته داخل مستودعه في قضاء الحسينية بمدينة كربلاء وهو يراقب عماله الذين يرصفون أكياس التمور كيسا بعد آخر، باديا على تعابيره حرصا شديدا على ان يوضع كل كيس من التمر في مكانه المحدد.

معلقا، "هذه الاكياس تحتوي على أنواع واصناف مختلفة من التمور مما يتطلب الحيطة مني كي لا يتسبب أحد العمال بخسارة انا في غنى عنها".

مبينا، "هناك تمور معدة للتصدير وهي باهظة الثمن، وأخرى مخصصة للبيع في الأسواق المحلية، فيما توجد الى جانبها بعض التمور التالفة المخصصة كعلف للماشية".

مستدركا، "لكل نوع من هذه التمور سعر وقيمة تستوجب حرصي على عدم اختلاطها".

ويعمل في مستودع الحاج محمد أكثر من أربعة عمال، يؤدين مهام تفريغ وتحميل التمور من الشاحنات، الى جانب رصفها داخل المستودع حسب جودتها وتصنيفها.

ويتميز العراق عموما بأجود أنواع التمور عالميا، فيما تعد بساتين كربلاء الأفضل بشكل مطلق على صعيد انتاج التمور الفاخرة.

وبحسب الحاج محمد، "التمور الفاخرة تصدر الى دول الخليج وبعض الدول الأوربية الى جانب تصديرها الى الولايات المتحدة الامريكية".

ووفق البيانات الرسمية فأن العراق كان من أكثر الدول انتاجا لثمرة التمر، ويملك في سبعينات القرن الماضي نحو ثلاثين مليون نخلة متصدرا جميع بلدان العالم بعدد نخيله، بحسب تصريح ادلى به لوسائل إعلامية المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي.

 الا ان الحروب والجفاف أسهما بتضرر هذا القطاع بشكل كبير ولافت، فيما كان لتفتيت البساتين وتجريفها لأغراض سكنية من التداعيات التي زادت الطين بلة على صعيد انحدار اعداد النخيل.

يقول جواد الشمري وهو أحد تجار التمور في كربلاء أيضا، "أصبح التنافس محموما بين تجار التمور بسبب نقص الإنتاج الفادح خلال السنوات العشرة الأخيرة".

موضحا، "قبل الأزمة كنت اشتري أتمكن بسهولة حجز انتاج عشرة الى عشرين بستانا بصورة مريحة وسلسلة نظرا لغزارة الإنتاج، اما الان قد انجح في حجز انتاج بستانين او ثلاثة في أفضل الأحوال".

وتشهد الأسواق العراقية ارتفاعا ملحوظا بأسعار التمور الى جانب غياب الأنواع الفاخرة وندرة توفرها، ومن أفضل أنواع التمور المنتجة في العراق، "الخستاوي والخضراوي والأشرسي والجمالي والحلاوي والساير والمكتوم".

ويعزو الحاج محمد علي ارتفاع أسعار التمور وندرة الفاخر منها الى، "زيادة معدلات التصدير الى خارج البلاد وبأسعار مغرية".

مشيرا، "هناك شركات تشتري التمور العراقية الفاخرة بأكثر من أربعة اضعاف سعرها في حال عرضت في الأسواق المحلية".

وكشفت إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، ان متوسط صادرات التمور العراقية العام الماضي بلغ 600 ألف طن، معظمها تصدر إلى تركيا والهند ومصر وسوريا والأردن والإمارات والصين وبنغلاديش وبعض الأسواق الأوروبية والأمريكية.

وبينت الإحصائية أن العراق أنتج في العام الماضي 2023 نحو 735 ألف طن من التمور من 17 مليون نخلة، محتلا بذلك المركز الرابع في إنتاج التمور على مستوى العالم، بحسب إحصائية منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة "فاو".

بدوره طالب الخبير الاقتصادي احمد البركاوي بضرورة تدخل المؤسسات الرسمية في عملية تنمية زراعة وصناعة التمور، مشيرا الى كونها، "مصدرا مهما للناتج القومي في حال استثمرت بالشكل الأمثل".

ويقول، "مع الأسف كانت كربلاء تحوي مصنعا هو الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط على صعيد الصناعات الزراعية".

مبينا، "كان المصنع ينتج ويصدر للخارج ويؤمن حاجة الأسواق العراقية لمنتجات التمور على مدار أيام العام".

مشيرا، في الوقت الحالي بات العراق مستوردا للتمور من بعض دول الجوار نتيجة لإهمال هذا القطاع المهم".

من جهتها لم تقف الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة مكتوفة الأيدي إزاء ما يحصل من تدهور مستمر في قطاع زراعة التمور، بل عمدت الى تأسيس عدد من المشاريع الزراعية الكبرى لزراعة النخيل ومكننة التمور.

فعلى سبيل المثال، يشخص معمل انتاج التمور وسط بادية كربلاء الغربية بجوار مزارع الساقي، تلك المزارع التي بلغ عددها (33) مزرعة، وتضمّ أنواعًا نادرةً من النخيل، منها البرحي والمجهول والتبرزل والعمراني والبريم، فضلًا عن صنف الزهدي، بعدد فاق (32100) نخلة.

اذ يعلق المهندس مشتاق عبد الجليل مدير المعمل "العتبة العبّاسية المقدّسة أولت اهتماماً كبيراً بالجانب الزراعي، وأنشأت مزرعة الساقي التي تحتوي على أصناف متعدّدة من النخيل، ولجأت فيما بعد إلى انشاء معملٍ لتعبئة وتغليف التمور في نفس المزرعة".

مضيفا، "يتألف المعمل من خمسة خطوط إنتاجية، اثنان منها رئيسان وثلاثة فرعية، والخطّان الرئيسان يتكوّنان من خطوط إنتاج عجينة التمر فئة (1 كيلوغرام)، و(5 كيلوغرام)، كذلك خطّ إنتاج التمر المكبوس".

ويوضح، "المعمل يُنتج أصنافاً متنوّعة من التمور العراقية الأصيلة وهي (البرحي، الخستاوي، الشكر، الخضراوي، شوثي أصفر، مير حاج، عمراني، مكتوم مندلي)، التي تُعدّ من الأصناف المميّزة".

ويتابع، "خط العجينة (الفاكيوم) يمرّ بمراحل متعدّدة تبدأ بمرحلة تجهيز التمر، ثم يمرّ بمرحلة (الغسيل) ثم مرحلة (التعقيم) بتعريضه لدرجة حرارة معينة، وبعدها مرحلة (نزع النواة)، لتأتي بعدها مرحلة (العصر)، ثمّ ينتقل إلى ماكينة الإنتاج".

ويشير مدير المعمل الى، أن "المعمل يحتوي على مكائن متطوّرة تُنتج في الساعة الواحدة (600) كيلو من عجينة التمور فئة (1 كيلوغرام)، وأكثر من (طن واحد) من عجينة التمور ذات فئة (5 كيلوغرام)".

وأردف، "أمّا خطّ الإنتاج الثاني فهو يمرّ بالمراحل نفسها، ثمّ يعبّأ بماكنة خاصّة تنتج (1200) كيلوغرام في الساعة الواحدة، وهذان هما الخطّان الرئيسان اللذان يتكوّن منهما المعمل".

وذكر عبد الجليل أن تصدير التمور إلى الخارج كان يتمّ عبر تعبئتها وتصديرها من دون المرور بتلك المراحل، الأمر الذي استدعى فكرة وجود معمل لتعبئة التمور وتغليفها في البلد نفسه، لأجل تفعيل الصناعة العراقية، وقد أولت العتبة العبّاسية المقدسة اهتماماً بالغاً في هذا الجانب.