image alt

لماذا يعد خطراً تتضافر الجهود لمواجهته؟

لماذا يعد خطراً تتضافر الجهود لمواجهته؟

المحتوى الهابط.. ظاهرة عفوية أم مفتعلة؟

بانفعال شديد يعكس فقدان قدرته على كظم غيظه، يوبخ السيد محمد الجبوري ولده، منتزعاً منه جهاز الموبايل.

فورة الغضب تلك كانت ردة فعل الجبوري بعد أن استفزه مقطع فيديو يشاهده ولده مصطفى، تتخلله مشاهد خادشة للحياء كما يصفها.

ويقول، "لم أتمالك نفسي وأنا أرى ولدي الصغير وهو يشاهد فتاة شبه عارية تتلفظ كلمات نابية في أحد برامج التواصل الاجتماعي".

معلقاً، "أنا أدرك إن ولدي لا يدرك ما الذي تتلفظه تلك الفتاة، ولكن الخشية من أن يردّد بلا إدراك ما سمعه منها".

ويبلغ الصغير مصطفى اثني عشر عاماً فقط، وقد اقتنى له والده جهاز موبايل منذ أشهر، إلاّ أن تلك الخطوة ندم عليها الجبوري كما يظهر.

ذلك الموقف المزعج يبدو انه لم يقتصر فقط على الجبوري، إذ يشارك أبو إحسان التميمي نفس الموقف، إلا أن الأمر خرج قليلاً عن السيطرة كما يقول.

فيبين التميمي، "صادف أن مررت بجوار ولدي الصغير الذي كان جالساً في غرفة المعيشة مع أخوته الأصغر، وصدمت عندما رأيته يستمع لأغنية تتضمن كلمات فاحشة وخادشة".

ويضيف، "لم أتردد في سحب جهاز الموبايل من يد ولدي وتحطيمه، قبل أن يفر إلى والدته صارخاً هَلِعاً لا يدرك ما الذي يجري أو لماذا فعلت ذلك".

ويتابع التميمي، "تألمت كثيراً للموقف المحزن الذي لحق بولدي الصغير، خصوصاً إنه كان فرحاً جداً بجهاز الموبايل الذي انتظره لأشهر قبل أن أشتريه له".

موضحاً، "في الوقت ذاته وبالرغم من شعوري بالألم على ولدي إلا أني أرى ما فعلته صواباً، فالتربية والحفاظ على الأخلاق أمر لا يقبل المساومة".

وبحسب مراقبين فإن العراق يشهد انفتاحاً غير مسبوق على ثقافات وسلوكيات أجنبية تتناقل عبر شبكة الأنترنت العنكبوتية، فيما كان لانتشار أجهزة الاتصال المحمولة الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي أثر خطير على شريحتي الأطفال والمراهقين كل على حد سواء.

إذ تتفق الباحثة الاجتماعية والمختصة في علم النفس (شهلاء الدهش) مع أن رؤية الطفل هكذا محتويات تولد لديه مجموعة من السلوكيات، كالعدائية وعدم تقبل واقعهم، وبالتالي يحصل لديهم اختلاف ما بين واقعهم والعالم الافتراضي.

وتقول، "بمرور الوقت تحدث لأفراد تلك الشريحة عدة مشاكل لعدم تقبل آراء الوالدين، تنجم بسبب سلوكيات غير مرغوب فيها".

مبينة، "نلحظ كثيراً ان المراهقين الذين يقضون أوقاتا طويلة في الاطلاع على مشاهد تنقلها مواقع التواصل الاجتماعي يعانون من اضطراب نفسي آخر، وهذا الاضطراب مصدره هو عدم تقبل الواقع".

وتشير المختصة في علم النفس إلى أن "أبرز معالم ذلك الاضطراب يلاحظ من خلال ظاهرة قضم الأظافر والعدائية ونتف الشعر".

وتروي الدهش مخاطر منشورات المحتوى الهابط على الشبان، ومن كلا الجنسين، فتقول "مرحلة المراهقة هي مرحلة تكوين الذات ومرحلة التقليد أيضاً فعند متابعة المراهق لهكذا محتويات هابطة ستؤثر على شخصيته بالكامل، وهذا التأثير يؤثر على أهداف الفرد بالمستقبل، ويصاب بتشتت فكري ما بين الواقع والمحتوى الهابط، مما يسبب خللاً في التنميط الجنسي كما نشاهد حالياً كثرة المشاهد من هذا النوع".

وتؤكد الدهش، على "عدم مقدرة المراهق الالتزام بالعادات والتقاليد والميل صوب الأفكار المنحرفة، والتفكير السطحي مما يسفر عن تشكل شخصية مستهزئة مستفزة، لا تراعي التعاليم الدينية والأسرية وقلة احترامهم الآخرين وعدم الاكتراث لمشاعرهم".

مخاطر تحيط بالمتزوجين

وترى الباحثة الاجتماعية شهلاء الدهش إن خطورة الأمر لا يقتصر فقط على المراهقين، بل يتعدى ذلك فئات عمرية أكبر.

فتقول، "بالنسبة لشريحة المتزوجين أو الراشدين فكثرة متابعتهم للمحتويات الهابطة يدخل إليهم التفكك الأسري وانحلال الأسرة، وبالتالي يؤدي إلى انعزال الزوجين بعضهم عن بعض فهنا يحدث الطلاق العاطفي".

موضحة: "تكون الأسرة عبارة عن هيكل من الخارج أما في الواقع هي أسرة متفككة تخلو من الروابط الأسرية".

وتختتم الدهش حديثها، "كل المجتمعات العربية والإسلامية تواجه نفس الإشكالية التي تهدد تقاليدها وأعرافها الاجتماعية وتسهم في طمس الهوية الحضارية له".

رؤية إعلامية مختصة

من جهته يرى المحلل الإعلامي عباس سرحان إن "ظاهرة المحتوى الهابط ترجع إلى سببين رئيسين، الأول إن هناك مجموعة من ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي تتعمد إنشاء هكذا محتويات حتى تجذب نظر مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تحقيق نسبة كبيرة من الإعجابات والمشاهدات".

مبيناً: "بعض المواقع تعطي مكافآت مالية لقاء تحقيق المواد المنشورة مشاهدات و(الاعجابات)، فهؤلاء الأشخاص يميلون إلى ربح كسول وربح سريع من غير جهد أو عناء".

ويضيف: "يلجؤون لهذه المحتويات التي هي بلا معايير وتنافي القيم الأخلاقية، دون الاكتراث لنظرة المجتمع وعملية نشر الفكر والثقافة والمحافظة على السلوك الاجتماعي القويم".

ويتابع، "بهدف الوصول إلى مرحلة الإثارة ولفت الأنظار يلجؤون إلى هتك ستر المجتمع بنشر الألفاظ النابية والتصرفات غير المؤدبة، من أجل تحقيق المشاهدات لغرض الحصول على المورد المالي".

ويكمل المحلل الإعلامي عباس سرحان، "السبب الآخر إن هناك ظاهرة مدروسة ونية مقصودة بأن هؤلاء الأشخاص الناشرين مرتبطون بأجندات معينة من أجل نشر هكذا محتويات هابطة، وهؤلاء الأشخاص لا يمكن النظر إليهم ببراءة لأن هذه الأجندات مشبوهة".

مشيراً، "هذه الظاهرة لا تمس العراق فقط بل الدول العربية أيضاً، والغاية منها تدمير المجتمعات العربية بشكل عام وتدمير المجتمع العراقي بشكل خاص".

ويرى سرحان إن أهم الأهداف التي تحاول الأجندات المشبوهة تحقيقها هو ضرب القيم الاجتماعية بشكل مقصود، وأيضاً ضرب الرموز الدينية والوطنية التي لها تأثير على الشارع العراقي، وضرب الأسرة العراقية وأخلاقها، من خلال التأكيد على أشياء تحاول أن تحط من قدر الأسرة ومن قدر التربية ومن قدر المجتمع.

إجراءات رسمية

بدوره يكشف العقيد إحسان يوسف جليل الأسدي مدير الإعلام والعلاقات في قيادة الشرطة عن إجراءات تبنتها وزارة الداخلية العراقية لمواجهة ظاهرة المحتوى الهابط.

فيقول: "هنالك تعاون ما بين وزارة الداخلية ووزارة العدل ومحكمة النشر من أجل معالجة حالات المحتوى الهابط، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق صناع المحتوى الهابط والمروجين له".

ويضيف، "المواد القانونية بحق المحتوى الهابط تتنوع حسب نوع المحتوى فهنالك وفق المادة 403، وأيضاً هناك مواد قانونية أخرى، حسب نوع المحتوى الذي يتم تقديمه للمجتمع ومضار الاجتماعية وإساءته للذوق العام".

وسبق لوزارة الداخلية أن شنت حملة اعتقالات طالت ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي ممن نشروا مواد دعائية أو إعلامية تخالف معايير أعراف المجتمع العراقي، الأمر الذي انعكس لدى المواطنين بالارتياح والاستحسان.

رأي المؤسسة الدينية

من جهتها ترى العتبة العباسية المقدسة إن هناك مسؤولية شرعية وأخلاقية تقع على عاتقها إزاء هذه الظاهرة المضرة.

فيقول علي البدري رئيس قسم الإعلام، إن "المحتوى الهابط موجود في كل زمان، ولا يعد اكتشافاً جديداً على المجتمعات، ففي كل مجتمع هناك علماء وسفهاء، وفي الغالب إن السفهاء أكثر من العلماء في المجتمعات، وإن كثرة ما نراه من بروز للمحتوى الهابط بسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي".

مبيناً، "لكن الخطر الحقيقي ليس بوجود هذه المواد الهابطة وإنما بكثرة تعرض الشباب واليافعين لها، حيث إن كثرة المشاهدة لهذا المحتوى الهابط سيراكم التفاهة في نفوس الشباب ويجعل شخصياتهم سطحية ويتصرفون ببلاهة وقلة وعي، يقلدون ما يصدر من تفاهات من دون تفكير أو تعقل، ويشير علم النفس إلى ان الإنسان عندما يشاهد شيئاً يتأثر به، ويقلده مرة أو أكثر ثم يتنمّط عليه ليكون هذا الشيء نمطا لحياته كلها".

ويضيف، "نحن نجتهد في أن نوصل رسالة أهل البيت عليهم السلام عبر مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ونحاول أن نستثير دفائن العقول ونُذكّر الناس عبر الحكمة والموعظة الحسنة وتذكير الناس بالقدوة والأسوة العليا من الأنبياء والأولياء من خلال افتتاح المؤسسات الاجتماعية والثقافية وتنظيم المحاضرات والندوات والمؤتمرات والاحتفاليات والمهرجانات".

ويشير رئيس قسم الإعلام إلى أن "العتبة العباسية المقدسة ليس لديها استهداف ضد أحد، لكنها تنتج ما تعتقد به من فكر وثقافة موروثة عن أهل البيت عليهم السلام".

الإعلام الوقائي

من جهته يكشف مدير مركز الإعلام الوقائي في العتبة العباسية المقدسة الأستاذ جسام السعيدي عن التفات العتبة لهذه الظاهرة منذ سنوات.

ويقول، "كانت نشأة الإعلام الوقائي في عام 2021 لكنه عبارة عن مجموعة مشاريع كانت بدايتها عام 2008 جمعت لاحقاً بهذا الاسم بعنوان مركز الإعلام الوقائي".

موضحا، "مهمة الشعبة الأساسية رصد الحالات والظواهر والمظاهر الاجتماعية السلبية في المجتمع ومحاولة صناعة محتوى إعلامي يحاول أن يقي المجتمع من مخاطرها".

ويضيف، "بمعنى آخر عمل المركز ليس إيجاد الحل وإنما الوقاية من المشكلة".

مبينا، "نحاول أن نصنع محتوى مضادا ويعاكس بما يسمى ضد نوعي، وأيضاً نحذر وحذرنا قبل سنوات من خلال بعض المحتوى المرئي من المحتويات الخاطئة والخطرة".

ويتابع، "بالإضافة لذلك مثل هذه المقاطع تحتاج للترويج وتحتاج للتبني من قبل فئات المجتمع حيث تسهم في كل ما يصب في حماية المجتمع من الفكر المنحرف والضال، سواء كان من الجانب العقائدي أو في الجانب الاجتماعي أو ترويج أفكار أو سلوكيات منحرفة أو خارج الهوية الثقافية العراقية، وكل ما من شأنه تهديم البلد".

مشيراً، "هذا الأمر يعتمد على التكاتف سواء كان في العتبة المقدسة أو في المجتمع".

وذكر السعيدي إن من جملة إجراءات العتبة العباسية المقدسة لمواجهة الفكر والظاهرة المضللة تتمثل بإعداد التوصيات للجهات الأمنية بالحل، وتقديم نصائح للوفود الزائرة الجامعية منها أو المجتمعية، وخاصة الفئات المؤثرة في المجتمع كالهيئات التدريسية والناشطين في المنظمات الاجتماعية.