image alt

النطق للأبناء والابتسامة للآباء

النطق للأبناء والابتسامة للآباء

معهد متخصص يزرع الأمل

لا تُخفي السيدة "إسراء خضير" فرحتها وهي ترى ولدها ينطق الكلمات بشكل سليم، معربةً عن سعادتها لحل معضلة شكّلت لها مصدر قلق مستمر.

فإسراء التي تعمل طبيبة أسنان، كانت تشعر بألم وحزن شديدين إزاء وضع ولدها "تيم عباس"، الذي كان يعاني من عدم قدرة على النطق بصورة صحيحة، وعجز جميع محاولاتها السابقة عن علاجه.

"كانت حالة ولدي تمثل تحدياً وهاجساً لي ولزوجي خصوصاً بعد أن عجز الأطباء عن علاجه أو تشخيص السبب الرئيس لعدم قدرة ولدنا على الكلام أو نطق الأحرف بشكل سوي". تقول الدكتورة إسراء.

وتضيف، "لا أستطيع أن أصف مشاعري وأنا أراه يتكلم معي بصورة واضحة".

مشيرة، "أشعر بامتنان كبير لملاك الكفيل للنطق والتأهيل المدرسي، الذين منحونا الفرحة بعد سنوات من الحزن واليأس".

تلك الفرحة وما شابها من مشاعر ارتياح ليست محصورة فقط بالسيدة إسراء، بل يشترك معها العشرات من الآباء والأمهات الذين تمت معالجة مشاكل أطفالهم في النطق الصحيح، في ثمرة لجهود ملاك المعهد.

إذ ترى السيدة نور صبري، والدة التوأم "حسن وحسين علي عامر"، إن المعهد جاء كـ (طوافة نجاة) لذوي هذه الفئة من الأطفال.

فتقول، "لم يكن ولداي يعانيان فقط من عجز عن النطق، بل عدة مشاكل نفسية أخرى، مثل العنف المفرط وعدم الانصياع لتوجيهاتنا، فضلاً عن عدم الانضباط".

وبحسب السيدة نور فإن بداية معاناتهما لدى ملاحظة إن ولديهما يتحدثان بلغة غريبة، ويستعينان بلغة الإشارة، ويتلفظان كلمات غير مفهومة على الرغم من بلوغهما من العمر ثلاث سنوات وبضعة أشهر.

وتعزو نور ما كان عليه ولداها إلى انشغالها وزوجها في العمل والابتعاد فترات طويلة عن المنزل، والاستعانة بمربية أجنبية تتكلم اللغة الإنكليزية فقط، الأمر الذي انعكس سلباً على طفليهما بشكل مباشرٍ.

وتشير، "بدأنا نلحظ أنّهما لا ينسجمان أو يمارسان اللعب مع الأطفال أيضاً عند زيارة أقاربنا".

وتتابع، "بعد أن تدهور وضعهما قررنا استبعاد المربية الأجنبية وزيادة الساعات التي نقضيها معهما".

وتستدرك نور، "لكن حسن وحسين استمرت معهما مشكلة تأخر النطق والتواصل الاجتماعي مع محيطهم".

وتبين، "بعد فترة من البحث والمعاناة عثرنا على معهد الكفيل للنطق والتأهيل المدرسي؛ إذ لم يمض سوى شهرين حتّى بدأ طفلي بنطق الجمل الواضحة".

وتختم، "اليوم أنا سعيدة بالخروج مع ولديَّ، وهما في قمة الانضباط والانصياع للتوجيهات، إلى جانب اندماجهم الكبير مع أقرانهم من أولاد اخوتي أو أخواتي".

والمعهد هو احدى مؤسسات قسم التربية والتعليم العالي في العتبة العباسية المقدسة، أُنشئ عام 2013، ويضم حاليا 40 طفلاً لتلقي تمارين وتدريبات على النطق السليم.

وتشمل رعايته الأطفال بعمر يتراوح من 3-6 سنوات، ممن لم يحظوا بنصيبهم في الروضة والمدارس بحجة المشاكل التي يواجهها الطفل في النطق وتأثيره على زملائه.

ويتكون من الجناح الإداري والملاك التعليمي الذي يتكون من ست معلمات متخصصات بالنطق لستة صفوف تعليمية، إلى جانب ست معلمات أُخَر متخصصات بمهارات ما قبل الأكاديمية لثلاثة صفوف، بالإضافة إلى الملاك الخدمي.

وتبلغ الطاقة الاستيعابية للمعهد ما لا يتجاوز الـ 40 طفلاً، حيث كل معلمة تقدّم 6 أو7 جلسات يومياً، بحسب الدكتور يعمر رحيم الطائي مشرف المعهد، الذي يكشف عن طموحه في توسعته لاستيعاب ما لا يقل عن ستين طفلاً في قادم الأيام.

أسباب المرض

إلى ذلك يرى أطباء الأطفال إنّ تأخّر النطق ينقسم إلى سببين مرضيين نفسي وعضوي، فيما تظهر البيانات الرسمية إنه داء منتشر بشكل ملحوظ.

فيقول الدكتور عباس الخفاجي اختصاص طب الأطفال، إن مرض تأخر النطق ويسمى (LANGUAGE DELAY) عند الأطفال، هو تأخر تطوير استخدام الميكانيكيات التي ينتج عنها النطق".

مبيناً، "ينخفض مستوى وضوح التعقيدات ومفردات الكلام عن الحد الطبيعي، أي تأخر الكلام عند الأطفال بعمر السنتين فما فوق.

ويرى الخفاجي إن أسباب تأخر النطق كثيرة، "تبدأ بمرض التوحد المرتبط بصعوبة الاتصال بالآخرين، وضعف السمع (الصمم)، وتأخير النضوج (الشلل الدماغي) الذي يسبب صعوبة التعلم عند الأطفال، والتهاب الأذن المزمن، وأحد أسبابها هي الالتهابات المزمنة للقناة السمعية".

ويضيف، "طرق العلاج تعتمد بشكل كبير على السبب إن كان عضوياً أو فيزيولوجياً، كالتدخل الجراحي أو العلاج بالعقاقير الطبية، أو علاج تأهيلي من قبل مدربين مختصين".

مشيراً إلى، "ندرة وجود هذه المراكز في المحافظات كافة، باستثناء مركز وحيد في العاصمة بغداد داخل مدينة الطب".

ويختتم دكتور الأطفال حديثه، "نسب الإصابة تتباين بين 3% إلى 10% من الأطفال، والنسبة الأكبر من الإصابات هي بين الذكور مقارنة بالإناث حسب النسب العالمية الموجودة.

بدوره يرى الدكتور (يعمر) الحاصل على شهادة الدكتوراه في علم التربية الخاصة من جامعة عين شمس المصرية، إنّ معظم أسباب تأخر النطق للأطفال الذي لا يشكون أمراضاً عضوية تعود إلى اضطرابات ومشاكل لها جذور قديمة لدى ذوي الأطفال، إلى جانب بعض عوامل بيئية أخرى.

ويقول، "تجتمع عدة أسباب للإصابة بهذا المرض منها عوامل الغزو الفكري والثقافي، وانشغال الوالدين عن الطفل، بالإضافة إلى قلة مساحات البيوت وقلة الحدائق وأماكن الترفيه الخاصة بالأطفال".

طرق العلاج

وبحسب الدكتور يعرب تسبق عملية العلاج للأطفال عدة اختبارات أولية، تهدف إلى تشخيص وضعه وأسباب الإصابة بالمرض.

فيقول، "في بادئ الأمر يخضع الطفل لتشخيص الحالة لتحديد المشكلة إذا كانت من النوع البسيط أو المتوسط، وهل هذه المشكلة نطق فقط أو هناك مشاكل أخرى مثل فرط الحركة أو اضطراب توحد أو متلازمات أخرى".

ويضيف، "بعد التشخيص يتم رسم خطة تقييمية للطفل خلالها يتم معرفة الكلمات والحروف التي يواجه صعوبة في نطقها يتم تقديم تقرير للمتدربة المختصة في هذا المجال لتحديد مدة تقريبية يحتاجها الطفل للتخلص من المشكلة".

ويتكون فريق التشخيص من أخصائي تربية خاصة، وطبيب أطفال، وطبيب أنف وأُذن وحنجرة، وطبيب نفسي، وطبيب أعصاب، وطبيب أخصائي السمع.

ويذكر الطائي إن كل هذه الأطراف تدخل في عملية تأهيل النطق للطفل، مشيراً، "ترفد مستشفى الكفيل التخصصي، إحدى مؤسسات العتبة العباسية المقدسة المعهد بالأطباء المختصين".

ويخضع الطفل الذي يجتاز الاختبارات لخطة تمتد على مدى أربعة أشهر متتالية، يتلقى خلالها الخبرات اللغوية والفنية، والخبرة العاطفية والاجتماعية والحركية، بالإضافة إلى خبرة الإصغاء التي يكتسبها الطفل خلال فترة وجوده في المعهد.

ويتلقى الطفل في المعهد عدة جلسات فردية في تعلم النطق، تبدأ من الساعة الثامنة صباحاً ولغاية الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً، أما بقية الخبرات فتكون بشكل جماعي مع أقرانه في الصفوف.

وجميع ملاكات العاملين بالمعهد هم متخصصون بالتربية الخاصة وعلم النفس، وقد تنامت خبراتهم من خلال مشاركتهم في عدة دورات تدريبية في علوم التربية الخاصة.

تدريب ومشاركة أولياء الأمر

ويلفت المشرف على معهد الكفيل للنطق والتأهيل المدرسي إلى تلقي ولي أمر تقرير شهري بشكل منتظم للاطلاع على كامل التطورات والمهارات التي اكتسبها الطفل خلال هذه الفترة.

مبيناً، "تُنظّم ورش تدريبية لأولياء الأمور نهاية كل شهر، لإشراكهم في العلاج بالإضافة إلى تلقي الخبرة المطلوبة للمساهمة في تأهيل الطفل بصورة تامة".