image alt

الشبيه... مسؤولية بعظمة التاريخ

الشبيه... مسؤولية بعظمة التاريخ

السابع من عاشوراء... يوم العباس عليه السلام

"أشعر كأنّي أسير، وأنا أحمل على أكتافي التاريخ بأجمعه، "بهذه العبارة يصف أمير رعد شعوره وهو يستعد إلى تأدية دور شبيه أبي الفضل -عليه السلام- ضمن موكب سدة الهندية العزائي.

فأمير الذي وقع عليه الاختيار لهذا الدور الحساس، تعثرت كلماته عندما وصف هذه المهمة، قائلًا: "تعصف بداخلي أحاسيس مختلفة، تارة تخنقني العبرة ويأخذني البكاء، وأتمالك نفسي تارة؛ كي أحافظ على خطواتي مبديا شدة البأس والشجاعة، وتارة أخرى أشعر بالفخر والاعتزاز؛ كوني المختار لتجسيد شخصية أبي الفضل العظيمة -سلام الله عليه-".

ويمثّل العباس -عليه السلام- مكانة عظيمة واستثنائية في الموروث العراقي - مع انه شخصية دينية شهيرة على مستوى التراث الاسلامي - ليس لكونه شخصية دينية وتاريخية فقط، بل لأنّه تحوّل إلى رمز شعبي جامع، يحمل دلالات متعددة في الوعي الجمعي، تمتزج فيها الشجاعة والقداسة والوفاء والكرم والكرامة.

ومواكب التشبيه، هي مواكب عزاء حسيني جوّالة، أُسِّست منذ القدم كمسرح جوال يستعرض جانبًا من أطراف معركة الطف الشهيرة، تلك المعركة التي خلّدها التأريخ، والتي دارت رحاها بين معسكر الإمام الحسين -عليه السلام- من جهة، وجيش بني أمية من جهة أخرى، ووقعت على أرض كربلاء، التي أصبحت بمرور الزمن من أشهر وأقدس المدن في العراق والعالم الإسلامي.

يقول السيد أمير رعد: "حظيت بتوفيق إلهي باختياري لتجسيد شخصية قمر بني هاشم، بطل كربلاء، أبي الفضل العباس، إلى جانب أنّ هذا الاختيار شرف ما بعده شرف".

مبينا، "منذ خمس سنوات وأنا أؤدّي هذا الدور، ومع كلّ عام تتجدد في نفسي مشاعر الهيبة والخوف مع بداية الاستعداد لتأديته".

وتجوب مواكب التشابيه شوارع المدينة القديمة وسط كربلاء المقدسة التي تحتضن مرقدي الإمام الحسين، وأخيه أبي الفضل العباس -عليهما السلام-، على مدى الأيام العشرة الأولى من شهر المحرم، والمُسمَّاة (بعاشوراء) الذكرى السنوية لمعركة الطف.

إذ يتقلّد الرجال السيوف ويمتطون الخيول، مرتدين أزياء تاريخية تعود للعقد السادس الهجري، وتحديدًا عام 61، الذي وقعت فيه تلك المعركة الخالدة.

وتحتضن مدينة كربلاء المقدسة في عاشوراء مئات الآلاف من الزوار، الذين يَفِدون من داخل العراق وخارجه؛ للمشاركة في إحياء هذه المناسبة الدينية التي تتخللها إقامة الشعائر الحسينية.

وبحسب الموروث الشيعي فقد قسمت أيام العشرة الأولى لشخصيات ملحمة الطف الخالدة، لإتاحة الفرصة لتبيان فضائلهم ودورهم في المعركة، باعتبار ان يوم استشهادهم واحد، وهو لايسع ذلك التبيان، حيث حُدّد يوم السابع من شهر المحرم، يومًا خاصًا لأبي الفضل العباس -عليه السلام-، تجري فيه شعائر تبرز دوره في مناصرة الإمام الحسين -عليه السلام- والذود عن حرم رسول الله –صلى الله عليه وآله-، قبل استشهاده ببسالة منقطعة النظير.

ويعلّق المؤرخ قيصر أبو الهيل، أحد منتسبي قسم المعارف الحسينية في العتبة العباسية المقدسة، "لا يوجد عام محدد تاريخيا خُصِّص فيه يوم 7 محرم للإمام العباس -عليه السلام-".

ويردف قائلًا: "لكن تطور بشكل تدريجي من رحم الأحداث التاريخية لواقعة الطف، وتبلور في القرون الهجرية الوسطى، ثم ترسّخ في المجالس الحسينية في العصور المتأخرة، كتقليد شعبي ديني له قيمة وجدانية وروحية عظيمة".

مشيرًا، "سُمِّي اليوم السابع بيوم العباس؛ لأنّه -عليه السلام- كان مسؤولا عن إيصال الماء لمعسكر الإمام الحسين -عليه السلام- وعياله في هذا اليوم، وقد أظهر شجاعةً فائقةً وبطولةً في اقتحام نهر الفرات وإزالة الأعداء عنه لجلب الماء، ممّا أكسبه لقب السقّاء".

ونظرًا لقدسية شخصية أبي الفضل العباس -عليه السلام- يجري اختيار شبيهه في المواكب الحسينية وفق معايير حساسة، حسب قول السيد عباس مظلوم راعي موكب أهالي سدة الهندية.

مبيّنا، "يكون اختيار شبيه شخصية الإمام العباس -عليه السلام- وفق مواصفات عِدّة، يتفقُ عليها كبار الموكب، ليكون تمثيل دور الإمام العباس خير تمثيل".

ويضيف، "من ضمن تلك المواصفات أن يتميز الشبيه بالطول والبنية القوية؛ ليجسد الهيأة البدنية للإمام العباس -عليه السلام-، وأن يتمتّع بإطلالةِ وجه رجولية ووسيمة توحي بالهيبة والوسامة التي عُرف بها مولانا أبا الفضل عليه السلام، وأن يكون ذا لياقة بدنية وقدرة على ركوب الخيل".

ويُعدّ الزي الذي يرتديه مؤدّي دور أبي الفضل العباس من أهم العناصر الرمزية في إحياء الشعائر.

إذ يرتدي المؤدي اللباس الحربي، الذي يشبه الدرع في صدره وظهره، وخوذة على رأسه من الجلد أو المعدن، تعلوها ريشة طويلة خضراء، متقلدًا سيفًا طويلا، فيما يمسك براية خُطَّ عليها عبارة: (يا أبا الفضل العباس).

بالإضافة إلى ذلك، تكون العمامة أو الوشاح، بلون أخضر في الغالب، وتُلفّ بشكل فخم على الرأس، ويُغطّى الوجه؛ احتراما لقدسية الإمام -عليه السلام-.