image alt

يوم القاسم... الثامن من المحرم الحرام

يوم القاسم... الثامن من المحرم الحرام

دخل المعركة غير مكترث ببأسها، مُردِّدًا بشجاعة توارثها عن أبائه: إنْ تنكروني فأنا نجل الحسن.. سبط النبي المصطفى والمؤتمن.. هذا الحسين كالأسير المرتهن.. بين أناس لا سقوا صوب المزن.

ذلك المشهد المستوحى من رواية المقتل الحسيني كانت لا تغيب عن الصبي أيمن محمد، ذي الخمسة عشر ربيعًا.

فأيمن الذي كان يتقلّد دور شبيه القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب -صلوات الله عليهم-، لا يخفي مشاعر الخجل التي ترتابه، مُعلقًا، "أدرك أنّ دوري أكبر من حجمي بكثير، وأخشى أن أقصّر أو أُسيئ من حيث لا أشعر".

مضيفًا، "مع بداية الاستعداد لخروج الموكب العزائي تسيطر على مشاعري الرهبة والحزن في وقت واحد، نظرًا لعظمة القاسم من جهة، وكيف اُستشهد غيلة من جهة أخرى".

ويستعد أيمن -بحسب قوله- لأداء دور شبيه القاسم بن الحسن -عليهما السلام-، للعام الثاني على التوالي، بعد أن وقع عليه الاختيار من مسؤولي موكب قمر بني هاشم -عليه السلام-.

إذ تشهد مدينة كربلاء المقدسة في الليالي العشرة الأولى من شهر المحرم الحرام، من كلّ عام إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس -عليهما السلام- وثُلّة من المؤمنين الذين كانوا برفقتهم، في معركة الطف الشهيرة التي جرت عام 61 للهجرة.

وكان القاسم أحد شهداء هذه المعركة الخالدة التي جرت بين الحسين -عليه السلام- والجيش الأموي، إذ كان فتيًّا لا تتجاوز سنيّ عمره خمسة عشر عامًا بحسب أغلب الروايات التاريخية.

ونظرًا لشجاعته وبسالته مقارنة بعمره -عليه السلام-، خصّص الموروث الشيعي اليوم الثامن من شهر المحرم باسمه الشريف، وبات يُعرف بيوم القاسم.

ويؤدّي الفتى أيمن محمد دور شبيه القاسم -عليه السلام- ضمن موكب عزائي مهيب، يشارك فيه أكثر من 400 رجلٍ وشابٍّ وامرأة، يرتدون أزياء تعود إلى الحقبة التاريخية لمعركة كربلاء الخالدة.

ويمتطي أيمن فرسًا تتوسط موكب الخيول، تتبعه قافلة من الجِمال، ومن ثم الراجلة من المقاتلين.

مواصفات خاصة

وجرت عملية اختيار "أيمن" لدور شبيه القاسم بن الحسن -عليهما السلام- وفق مواصفات خاصة، أبرزها عمره الذي يجب أن يتراوح بين (13-15) سنة، وأن يكون حسن المظهر والهيأة، وذا ملامح بريئة، بحسب قول الحاج عامر شاكر راعي موكب قمر بني هاشم -عليه السلام-.

مضيفًا، "يجب أن تكون لديه قدرة على التحمل والانضباط والوقوف لفترات طويلة لتنفيذ مشهد التمثيل بكلّ اتّزان وهدوء".

مبيّنًا، "يكون اللباس الخاص ثوب أبيض نقيّ، وعمامة صغيرة بيضاء وسيف".

ويشدّد الحاج عامر على أن "يدرك الفتى المختار لهذا الدور العظيم أنّ الغرض من هذا التمثيل، ليس الشهرة والتصوير، أو الظهور على المنصات، بل هو إحياء شعيرة عظيمة بصدق وخشوع".

إبراز مظلومية القاسم -عليه السلام-

وفي اليوم الثامن من المحرم الحرام، الذي يُعرف باسم يوم القاسم، تُقام فيه شعائر خاصّة تُعبّر عن مظلومية هذا الفتى العلوي الشهيد وارتباطه الوجداني والعاطفي بالإمام الحسين -عليه السلام-.

ومن أبرز هذه الشعائر، هي إقامة مجالس حسينية تسلّط الضوء على حياة الإمام القاسم -عليه السلام-، وكيفيّة استشهاده، وخصوصًا بعد استئذانه من عمّه الإمام الحسين للنزول إلى أرض المعركة.

ويروي الشيخ قيصر أبو الهيل، الباحث في قسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية التابع للعتبة العباسية المقدسة، أنّ "القاسم -عليه السلام- كان شديد الحبّ لعمّه الإمام الحسين -عليه السلام- وذو إيمان قوي وعقيدة راسخه ويجسّد الإمام القاسم رمزَ الشابّ المجاهد والطاهر".

مشيرًا إلى أنّ، "تخصيص اليوم الثامن للإمام القاسم بن الحسن -عليه السلام- جاء نتيجةً لتطوّر الشعائر الحسينية وارتباطها العاطفي والروحي بشخصيّات الطف خصوصًا التي كان لها وقع مؤلم في النفوس ومن بينها القاسم بن الحسن -عليه السلام-".

الموروث الشعبي

ويضمّ الموروث الشعبي للشعائر الحسينية إقامة "زفّة" القاسم -عليه السلام-، وهي من أكثر الشعائر شهرةً وانتشارًا، مستندين على رواية بهذا الصدد، إذ يلبس أحد الأشخاص من أبناء المنطقة ملابس العرس البيضاء كرمز لاستشهاد الإمام القاسم -عليه السلام- في ريعان صباه.

ويرتدي أغلب الأطفال في هذا اليوم ملابس بيضاء لما يرتديه "العرّيس"، تعبيرًا عن رمزيّة تدل على الشهادة في سن مبكرة.