image alt

الورود الفاطمية... أضخم حفل لفتيات كربلاء

الورود الفاطمية... أضخم حفل لفتيات كربلاء


مشروع التكليف الشرعي



على الرغم من كون الابتسامة كانت جلية على وجه ابنتها، لم تستطع السيدة نرجس أن تكبح دموعها وهي ترى ابنتها إلى جانب سماحة السيد احمد الصافي ، وسط عشرات الفتيات الصغيرات اللاتي يحتفلن بسن التكليف الشرعي.

فمشاعر السيدة نرجس الجياشة تنبع من رؤية ابنتها الصغيرة وقد باتت منذ اليوم امرأة مكلفة بأداء الواجبات والالتزام بالتعاليم الإسلامية التي تحفظ لها كرامتها وعفتها وتصون مستقبلها.

إلى جانب سعادتها وهي ترى ابنتها إلى جانب سماحة السيد الصافي، المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة التي تبنت حفل التكليف الشرعي وما سبقه من ورش تعليمية وثقافية للبنات حول العبادات والمعاملات الواجب مراعاتها حسب الشرع.

فتقول السيدة نرجس، "تغمرني الغبطة لأول مرة في حياتي بهذا الشكل وانا أرى ابنتي ترتدي الحجاب وتردد الوصايا الإسلامية وإلى جانبها سماحة السيد الصافي دام توفيقه".

مبينة "أنها لحظات مميزة لا تتكرر مرة أخرى في الحياة أشعر من خلالها أنني كنت أسير في طريق التربية الصالحة وجهودي لم تذهب سدى".

وتضيف، "هذه أولى ثمرات التربية الصالحة وما حضوري هنا إلا مصداق للتوفيق بمشيئة الله ورضاه".

وكما يبدو أن تلك المشاعر والدموع والإحساس الاستثنائي الذي تعيشه السيدة نرجس، تشاركه معها عشرات الأمهات والآباء الذين يتطلعون إلى بناتهم وهن في هذا المقام الكريم.

إذ تعرب السيدة زهراء وهي أم لإحدى الفتيات المشاركات في هذا الحفل عن شعورها بالسرور والابتهاج لما تصفه بتكريم كبير لابنتها.

فتقول، "يعزز هذا الحفل في داخل ابنتي مشاعر الثقة بالنفس والمسؤولية والعفة وحب الدين الإسلامي الذي يحافظ عليها منذ نشأتها".

وتضيف، "أشعر بأن هذا الحفل أشبه بتكريم خاص بابنتي سوف يسهم في شقها طريقا مستقيما في طاعة الله ومرضاته في قادم سني عمرها".

موضحة، "كل أب وأم ينشدون الحرص على سلامة أبنائهم وتوفيقهم ونجاحهم في الدنيا والآخرة على حد سواء".

وتشارك في الحفل الذي ترعاه العتبة العباسية المقدسة -ممثلة بشعبة الخطابة النسوية- أربعة آلاف وخمسمائة طالبة، ينتمين إلى ثمان وثمانين مدرسة.

والعتبة العباسية المقدسة التي تقع في مركز المدينة القديمة لمحافظة كربلاء وسط العراق،

إحدى أهم العتبات الدينية الإسلامية الشيعية في العراق، تتبوأ مركزا روحيا واجتماعيا مرموقا لدى المسلمين، خصوصا أتباع مدرسة أهل البيت في داخل البلاد وخارجها، إذ يؤمها سنويا عشرات ملايين الزوار من كافة أنحاء المجتمع الدولي.

وبحسب السيدة نرجس فإن صغيرتها شاركت قبيل الحفل بورش تدريبية وثقافية أشرفت عليها منتسبات شعبة الخطابة النسوية في العتبة المقدسة.

وتناولت الورش التي استمرت لعدة أيام تعليم الصغيرات أساسيات العلوم الدينية كالعفة والنزاهة والصدق وأداء الصلاة والصيام وارتداء الحجاب الإسلامي الذي يحفظ للفتاة حشمتها.

وتنظم شعبة الخطابة النسوية هذا الحفل بالتعاون مع مديرية تربية محافظة كربلاء المقدسة، تعبيرا عن تكريمها للفتيات المشاركات في المشروع الذي انطلق بنسخته السادسة على التوالي، وتحت شعار (من نهج الزهراء حجابي وبزينب اقتدائي).

والزهراء هي السيدة فاطمة ابنة الرسول الأعظم محمد، أما السيدة زينت فهي ابنة الزهراء والإمام علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم، وتمثلان رمزا للعفة والطهارة والشرف لدى كافة المسلمين.

بدوره يرى نائب الأمين العام للعتبة المقدسة المهندس عباس موسى أحمد، أنّ "الرسالة التي تريد العتبة المقدسة إيصالها هي الحفاظ على الرسالة السماوية التي بعثها الله إلى نبيه الأكرم وآل بيته الطيبين الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) وبيان أهمية العباءة الإسلامية والاحتشام والعفة للبنت، حتى تكون أمًّا في المستقبل مباركة وعزيزة للحفاظ على نهج أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأن تمثّل فاطمة الزهراء وزينب الكبرى (عليهما السلام).

في حين علقت مسؤولة الشعبة السيّدة تغريد التميمي على طبيعة المشروع قائلة: إنّ "العتبة العبّاسية المقدّسة تسعى عبر تطبيق بعض خططها المستقبلية والآنية، لرسم خطّة مسيرٍ منهجية ومنظّمة لبناتنا العزيزات وتلميذاتنا في مدارس مديرية تربية كربلاء المقدّسة، ضمن مشاريع عديدة منها مشروع الورود الفاطمية بنسخته السادسة لهذا العام".

وأضافت، "برنامج الورود الفاطمية هو مشروع تبليغي إرشادي توجيهي، نسعى عبره لتوجيه الفتيات لثقافة التكليف الشرعيّ حسب ما جاء في القرآن الكريم، والسنة المباركة لأهل البيت (عليهم السلام)".

مشيرة إلى أن "هناك العديد من الأمور التي تكون التلميذة بحاجة لمعرفتها ويتمّ إيضاحها من خلال الجولات الميدانية التبليغية، التي تقوم بها ملاكات شعبة الخطابة الحسينية النسوية التبليغية".

موضحة، "المسيرة نفّذتها الشعبة عبر جولاتٍ ميدانية تكون على وجبتين صباحية ومسائية، لتغطية جميع المدارس المشمولة بحفل التكليف، ونسعى في كلّ عام لزيادة هذا العدد حسب خططٍ مدروسة مسبقاً".

وذكرت التميمي أن "عدد المكلّفات بعد اختتام النسخة السادسة بلغ أكثر من (14,900) مكلّفة".

مختتمة، "الحفل المركزي لتكليف التلميذات اللواتي بلغن ربيعهنّ التاسع، ختام مسيرة أشهر من الجولات الميدانية لتغطية العديد من المدارس في مختلف مناطق كربلاء، خصوصًاً المناطق المحتاجة لهذه المحاضرات والتوجيهات".

وكما هو متوقع فقد نال المشروع استحسان جميع المراقبين والتربويين، اذ دعا مدير عام تربية محافظة كربلاء المقدّسة السيد عباس عودة، لتعميم حفل التكليف الشرعيّ للفتيات ضمن مشروع الورود الفاطمية، بكلّ محافظات العراق.

مبينا، "المفهوم الأساس لمشروع الورود الفاطمية هو أن نربّي الطالبة لتكون أمّاً صالحة في المجتمع، ونتابع تربيتها في كلّ فترات عمرها، لنسهم في صناعة عائلة صالحة تعمل على إصلاح المجتمع بأكمله".

وأضاف، "مشروع الورود الفاطمية كان له أثر واضح ودلالات كثيرة على الطالبات".

موضحا، "ما حصدناه من حفل التكليف الشرعيّ في السنوات السابقة، عبر متابعتنا لبناتنا وما أثر ذلك في نفوسهنّ وسلوكهنّ وتربيتهنّ، كان له أثر كبير ليس على الطالبات فقط إنّما على زميلاتهنّ ومدرساتهنّ وأولياء الأمور والمجتمع، إذن لا بدّ لهذا المشروع الكبير أن يستمرّ".

في حين قال مدير مدرسة الدرر التكميلية للبنات السيّد عادل سعد عمران، إنّ "العتبة العباسية المقدّسة عوّدتنا على أخذ الدور الأوّل في تنشئة التلميذات بصورةٍ رسالية زينبية، وهذا ما لمسناه من خلال حفلات التخرّج لطلبة الجامعات وحفلات التكليف".

وأضاف "مشروع الورود الفاطمية الذي تقيمه العتبة المقدّسة، يُنتج جيلاً محتشماً ملتزماً بالحجاب وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف".

وأشار عمران إلى أن "مشروع الورود الفاطمية له أثرٌ كبير في المستقبل عندما تنشأ الفتاة، فهي بالتأكيد ستلقي ظلالها على مستقبل المجتمع بصورةٍ عامة، لأن البنت هي مستقبل أمّ ومستقبل معلّمة ومستقبل موظّفة وتكون قدوة للمجتمع".

ووصف المرشد التربويّ في مدرسة آمرلي السيد أحمد جاسم، المشروع من المشاريع الرائدة الدائمية.

وقال، "هو يمثل الزرع الذي سننال ثماره في بداية مشوار الفتيات المكلّفات، عندما يكوننَّ أمّهات صالحات على خطى السيّدة الزهراء (عليها السلام) في المستقبل".

وأضاف، "آمل من بقية المؤسّسات في عموم العراق أن تشرع بدعم هذا المشروع، الذي يسهم في بناء أسرة مسلمة صالحة، لاسيّما أن العالم الإسلامي يواجه تحدّياتٍ وهجماتٍ منحرفة كبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تطال الفتيات خصوصًا في هذه الأعمار".

جهود متضافرة

وشهد الحفل الذي استمر على مدى يومين على التوالي عدة فعاليات ثقافية ذات اعتبارات نفسية واجتماعية ودينية.

فتروي السيدة نرجس، "كان لنا شرف المشاركة في الحفل الذي احتضنه مجمع الإمام العباس عليه السلام شرق مركز المدينة".

وتضيف، "ما تميز به المجمع هو مساحته الكبيرة وعمارته الإسلامية التي تترك انطباعا في نفوس ضيوفه إحساسا بالخشوع والطمأنينة".

ونجحت الملاكات الفنية والخدمية في العتبة العبّاسية المقدّسة، في تهيئة جميع الأعمال الهندسية والفنية الخاصّة بمجمّع أبي الفضل العباس (عليه السلام).

وشملت الأعمال تهيئة القاعة الرئيسة في المجمّع، بضمنها المنصّة التي ارتقتها المكلّفات لتأدية عهد التكليف الشرعيّ، فضلاً عن تحضير وجبات الطعام.

كما وضعت خطةً لتنظيم أماكن جلوس الطالبات، حيث خُصّص لكلّ مدرسةٍ مكان محدّد على شكل مجاميع، إضافة إلى تخصيص أماكن لجلوس عوائل المكلّفات.

فيما اشتركت في إنجاح المشروع وختامه المتمثل بالحفل المركزي عدة اقسام تتبع للأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة.

اذ هيأ قسما الآليات والسياحة الدينية عدداً كبيراً من العجلات بمختلف السعات والأحجام، لنقل الطالبات بحسب الرقعة الجغرافية للمدارس المشاركة.

وتشمل الخطّة نقل نحو (4500) طالبة من (88) مدرسة وإرجاعهنّ بالتنسيق مع إدارة المدارس، وعلى مدار يومي الحفل.

كما كانت لقسم الصناعات والحرف الفنية مساهمة مشهودة تمثلت بتهيئة المنصّة الرئيسة لحفل الورود الفاطمية، في مجمّع أبي الفضل العباس (عليه السلام) الخدمي.

بالإضافة إلى جهود قسمي العلاقات العامة والإعلام، اللذين كان لهما جهد متميز في التنظيم الخارجي مع مؤسسات الدولة والتغطيات الإعلامية الشاملة.

وشهد اليوم الأول من الحفل عدة فقرات استهلت بتلاوة عطرة من القران الكريم، وترديد النشيد الوطني العراقي، واعقبه قراءة سورة الفاتحة على أرواح شهداء العراق.

أعقب ذلك كلمة القاها رئيس المجمع العلمي للقرآن الكريم في العتبة المقدسة الدكتور مشتاق العلي، وكلمه مدير عام تربية المحافظة السيد عباس عودة.

وتلا ذلك عرضُ فيلمٍ تعريفي حول مشروع (الورود الفاطمية)، وعرضٌ مسرحيّ حول أهمّية التكليف بعنوان (تكليفي نور).

وقدم العرض المسرحيً تلميذات مدرسة الوفاء، وتناول موضوعات متعددة، منها التفاصيل الخاصّة بالطالبة المكلفة، وقناعتها التامة بالتكليف، وما تتعرّض له في هذه الفترة العمرية.

وأشرفت على العمل المسرحي من ناحية الإعداد والإخراج، وحدة النشاط الحسيني التابعة لشعبة الخطابة الحسينية النسوية في العتبة المقدسة، لتختتم فعّاليات اليوم الأوّل بترديد نشيد التكليف.

فيما شهدت فعاليات اليوم الثاني من حفل التكليف الشرعي السنوي لطالبات مدارس تربية كربلاء، التقاط المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة السيد أحمد الصافي(دام توفيقه) صورة جماعية مع الفتيات المكلفات.

وكرّم الأمين العام للعتبة العباسية المقدسة السيد مصطفى مرتضى آل ضياء الدين المساهمين بنجاح حفل سنّ التكليف الشرعي للطالبات.