image alt

من يعيد للعراق المنتج الوطني الآمن؟

من يعيد للعراق المنتج الوطني الآمن؟

لحوم حمير وألبان غير صالحة للاستهلاك البشري

أمام ألسنة اللهب المتصاعدة يقف الدكتور غيث قحطان شارد الذهن وهو يتمعن مئات الأطنان من المواد الغذائية وهي تحترق.

إلا أن صمت الدكتور ينم عن مشاعر متضاربة تختلج في تفكيره، خصوصا أنه يرى ما يصفه، "آلاف الدولارات تذهب أدراج الرياح".

كاشفا، "سنويا نحرق في محافظة كربلاء المقدسة مئات الأطنان من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك البشري".

مبينا، "أقف بين أمرين أحلاهما مر، بين أن اسمح بوصول هذه المواد الغذائية إلى المواطنين مما يتسبب بكارثة صحية، أو أسوقها للنار مكلفا ميزانية الدولة آلاف الدولارات هباء".

مستدركا، "المثل يقول (بالمال ولا بالعيال)، أعتقد أن أهون الشرَّين أن أجنِّب المواطنين مخاطر التسمم".

 ويدير الدكتور غيث قحطان شعبة الرقابة الصحية في محافظة كربلاء المقدسة، إذ يجري بصحبة ملاكه جولات شبه يومية على الأسواق التجارية والمطاعم والفنادق للتفتيش والبحث والمراقبة.

ومن جملة المهام الموكلة للشعبة هي تفحص المواد الغذائية المعروضة في الأسواق، والكشف عن صلاحية تناولها.

يقول القحطان، "خلال عام 2023 فقط أتلفت الشعبة (609) اطنان من المواد الغذائية الصلبة و(968) طنا من المواد الغذائية السائلة.

وبحسب مدير شعبة الرقابة الصحية فإنهم يستعينون بـ "عناصر استخباراتية متوزعة في عدة أماكن تعمل على تبليغ مديرية الصحة عن أي مادة تالفة إن كانت في مطعم أو أسواق أو ما شابه ذلك".

ويضيف، "كما نشرت الشعبة عناصر في مداخل المدينة وتحديدا في السيطرات الأمنية لمتابعة وفحص المواد الغذائية المستوردة وهي في طريقها للدخول".

مشيرا إلى أن "أكثر أنواع المواد الغذائية تتمثل في مشتقات الألبان المستوردة".

إشكالية مستمرة

ويستورد العراق يوميا آلاف الأطنان من المواد الغذائية كالألبان واللحوم والاسماك المعلبة بالإضافة إلى مواد التنظيف ومعظم احتياجات المواطنين.

اذ يشكو العراق بشكل ملحوظ نقصاً كبيرا في المنتج الوطني، اذ تقتصر الصناعات الوطنية على منتجات معينة ومساهمات خجولة لا تلبي كل حاجات المواطنين.

وعلى الرغم من جهود وزارة الصحة العراقية متمثلة بشعب الرقابة الصحية المنتشرة في المحافظات، إلا أن بعضا من المواد الغذائية التالفة تصل إلى متناول المواطن.

فيقول فاضل عبد الأمير من سكنة كربلاء، أنا "أكثر من مرة أكتشف بعض المواد الغذائية التي أشتريها تالفة".

مبينا، "أحيانا يكون سبب التلف هو نفاد مدتها، وأحيانا يكون السبب سوء النقل والتخزين".

مشيرا إلى أنه "منذ سنوات وأنا أراعي بحذر شديد فحص أية مادة غذائية معلبة قبل أن أدخلها إلى منزلي خوفا على صحة أفراد عائلتي".

في حين لم يحالف الحظ السيد أحمد خضير، حين أصيب بالتسمم مع ابنائه وزوجته إثر تناول العشاء مما أسفر رقود جميع أفراد العائلة في المستشفى كما يقول.

ويضيف، "كانت وجبة العشاء عبارة عن علب من اللحم واللبن الرائب". موضحا، "لم يستغرق الأمر سوى نصف ساعة قبل أن نصاب جميعا بحالة من الغثيان والقيء والإسهال قبل أن نلجأ إلى أقرب مستشفى".

لحوم حمير وخيول معلبة

وكشفت دراسة بحثية أجرتها كلية الزراعة في جامعة البصرة أن اللحوم المعلبة التي تباع بالأسواق هي ليست لحوم بقرية.

وبحسب تحقيق استقصائي نشر على قناة الحرة الأمريكية أن جميع اللحوم المعلبة التي تصدرها الأردن والامارات العربية إلى العراق هي لحوم للحمير والاحصنة كما مكتوب عليها.

وبحسب الدراسة التي أجراها مختصون لأكثر من (48) عينة للحوم معلبة منتشرة في الأسواق العراقية، فقط كانت أربعة أنواع من تلك المعلبات ليست لحوما بقرية وغير صالحة للاستهلاك البشري. 

الصحة والمال

إلى ذلك يشدد الخبير الاقتصادي حسين جبار على ضرورة استعادة العراق الصناعات الغذائية ودعم السلطات الرسمية لهذا المنحى المهم.

ويقول، "العراق من أكثر البلدان القادرة على إحياء الصناعة الوطنية لعدة أسباب، منها توفر المواد الخام وتوفر رؤوس الأموال والحركة المالية التي تعد جيدة مقارنة بالكثير من بلدان المنطقة وأخيرا وجود الأيدي العاملة الماهرة".

ويضيف، "على الحكومة العراقية أن تشمل برامجها التنموية دعم الصناعة الوطنية عن طريق تسهيل إعطاء الموافقات بعيداً عن الروتين المعتاد لكافة أنواع المشاريع، فضلا عن وضع حد للبضائع المستوردة".

ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن "انتشار ظاهرة المنتجات المستوردة الرديئة لعدم وجود رقابة فعلية على المواد المستوردة".

ويتابع، "هناك أدلة تبين أن بعض التجار يتفقون مع الشركات المصنعة على تصنيع بضاعة تكون رخيصة وسريعة التلف لغايات الكسب السريع والكبير".

 ويرى الخبير الاقتصادي أن رواج المنتج الوطني سيسهم في الانتعاش الاقتصادي، مطالبا "برفع ما تضعه الدولة اليوم من قيود على الشركات الناشئة مثل أجور الماء والكهرباء واستحصال الموافقات الرسمية".

من جانبه يرى الباحث في الشؤون الاستراتيجية الأستاذ أحمد عودة أن الصناعات الوطنية لا يمكن لها النهوض من دون توفير مقومات النجاح، مطالبا بضرورة توفير دعم المؤسسات الساندة.

ويقول عودة، "لا يمكن النهوض بأي صناعة خصوصا صناعة السلع الاستهلاكية أو الغذائية من دون وجود قواعد وركائز داعمة".

موضحا، "جميع الصناعات تحتاج إلى بنية تحتية، فمثلا الصناعات الغذائية بحاجة إلى مزارع وحقول، وهي بدورها بحاجة إلى أسمدة ومواد صناعية لإنشائها".

ويتابع، "أيضا الصناعات الطبية بحاجة إلى مؤسسات مساعدة مثل توفير المواد الخام والمواد الكيميائية المطلوبة، وأيضا الصناعات الإنشائية التي تكون بحاجة إلى مواد خاصة يتم توفيرها من منشآت محددة، وكذلك الصناعات الكهربائية التي تكون بحاجة إلى الصناعات البتروكيماوية".

ويشير الباحث الاستراتيجي إلى أن "أية صناعة بلا بنية تحتية دائمة وقوية سيكون مصيرها الفشل ولن تستمر طويلا".

مشاريع واعدة

بدورها تبنت العتبة العباسية المقدسة خلال السنوات الأخيرة تلبية متطلبات التنمية الاقتصادية في العراق، عبر جملة من المشاريع الإستراتيجية التي تعود بالنفع على الدولة شعبا وحكومة.

فشركة خير الجود التي تعد منشأة صناعية كبيرة توفر العديد من المنتجات الأساسية للنهوض بالصناعات الزراعية والغذائية والطبية على حد سواء.

فبحسب الدكتور علي امير الموسوي مدير التسويق لشركة خير الجود، فإن "الشركة تسهم في توفير مواد أساسية وضرورية لقطاعات حيوية في العراق".

مبينا، "على صعيد القطاع الزراعي فإن الشركة تنتج الأسمدة والمبيدات الزراعية والمخصبات وجميع العوامل التي تحفز التربة والتي تقلل من أمراض النبات".

ويتابع، "كما تمتلك الشركة المصنع الوحيد الموجود في العراق لإنتاج معقمات طبية بحتة مثل جل السونار وهي لا تتوفر إلا في الأردن وتركيا فقط".

 ويضيف، "كما تحتوي المنشأة مصنع المنظفات والمطهرات والمعطرات المنزلية بجميع أنواعها".

وتمتلك شركة الجود عدة مذاخر رئيسة للبيع وأغلبها في كربلاء والبصرة وبغداد، اذ يوجد 13 مذخرا في البصرة و25 مذخرا في البصرة و40 في بغداد وباقي محافظات وسط وجنوب العراق، وباتت تغطي كل محافظات العراق.