image alt

رحلة نحو الفهرسة العربية المتطورة

رحلة نحو الفهرسة العربية المتطورة

مركز الفهرسة ونظم المعلومات التابع إلى قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، من بين المراكز المهمة التي اتسمت بأنشطتها اللافتة، خصوصًا وهو يضم مجموعة من المفهرسين المتخصصين، مثل، علي طالب العرداوي.

 ألّف، علي، إلى جانب الدكتورة أزهار زاير، كتاب فهرسة المخطوطات الذي يُعدّ طفرة في مجال الفهرسة الحديثة للمخطوطات؛ لأنّه وضع قواعد عربية خاصة بعلم الفهرسة بعد أن كانت المكتبات العربية تعتمد على القواعد الأجنبية.

قدم علي، إسهامات في لقاءات خاصة بعلم الفهرسة في منتديات عربية إلكترونية، عن طريق مركز الفهرسة ونُظُم المعلومات، وحظي بدعم من مدير المركز السيد حسنين الموسوي.

وكلمة "فهرست" هي كلمة فارسية عُرّبت إلى "فهرس" وتعني كتاب تجمع فيه أسماء الكتب مرتبة بنظام معيّن.

ويُعرّف علم الفهرسة بأنه وصف لمواد المعلومات يمكّن المستفيد من الوصول إليها بسهولة دون بذل المزيد من الوقت والجهد.

فيما يعرّف بعضهم " الفهرس" بأنه قائمة بالكتب والمواد المكتبية مرتبة وفق نظام معين، أو قائمة تسجل وتصنف وتكشف مقتنيات مجموعة معينة أو مكتبة معينة أو مجموعة مكتبات"

لم تكن مسيرة علي طالب العرداوي مجرد وظيفة عادية، بل كانت رحلة مليئة بالإصرار والإبداع، قادها حلمه في تطوير نظام فهرسة يتناسب مع خصوصية اللغة العربية ويلبّي احتياجات العصر.

كانت البداية حين انضم علي طالب إلى مركز الفهرسة ونظم المعلومات، انطلاقا من شعوره بأهمية ما يقدمه المركز.

 فالفهرسة ليست مجرد ترتيب للكتب على الرفوف، بل هي أداة لفتح أبواب المعرفة أمام الجميع، ومع أنّ العالم كان يعتمد على القواعد الإنجليزية في الفهرسة، إلّا أنّ علي كان يرى بوضوح الفجوات التي تخلِّفها تلك القواعد في اللغة العربية، الفريدة في تركيبها وثقافتها.

"كيف يمكن أن نُدير مكتباتنا العربية إذا كانت قواعد الفهرسة التي نستخدمها لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصية لغتنا وثقافتنا؟".

 كان هذا السؤال يتردد في ذهنه كلما نظر إلى مكتبة مليئة بالكتب والمراجع التي تكاد تُغلق على نفسها دون أن تصل إلى القارئين الباحثين.


دعم العتبة العباسية المقدسة


لم يكن علي ليحقق حلمه دون الدعم الكبير من مركز الفهرسة في العتبة العباسية المقدسة، فكان للمركز الفضل في تزويده بكل ما يحتاجه من أدوات وموارد، ومنح له فرصة العمل مع فريق من الكوادر المتخصصة، الذين شاركوه رؤيته وساندوه في كلّ خطوة.

 "العلم لا حدود له" هكذا كان شعار المركز الذي ألهم علي وأعطاه دافعًا قويًا ليبدأ في تحدي القواعد السائدة.

وبدأت رحلته بخطوات مدروسة، إذ استعرض أولًا القواعد الإنجليزية المطبقة في الفهرسة، محاولًا فهم نقاط قوتها وضعفها.

ثم جاء الدور لتعديل تلك القواعد لتناسب السياق العربي، فكان عليه أن يتعمق في دراسة اللغة العربية، وفهم تركيبها الخاص الذي يختلف عن اللغات الأخرى.

لم يقتصر علي على العمل الفردي فقط، بل بدأ في تنظيم ورش عمل للمكتبيين والباحثين، فقد شاركهم أفكاره، واستمع إلى آرائهم وملاحظاتهم.

 كانت هذه الورش مكانًا خصبًا لتبادل الأفكار وتطوير منهجية فهرسة عربية مبتكرة، وبمرور الوقت، بدأ المشروع يكتسب شكلًا متكاملاً، وأصبح أكثر من مجرد أفكار نظرية، بل واقعًا قابلًا للتطبيق.


التطبيق الميداني والمكتبات حقل اختبار


المكتبات التابعة للعتبة العباسية المقدسة كانت أول من استقبل المنهجية الجديدة، إذ بدأ علي في اختبار القواعد المعدلة داخل مكتبات العتبة، ثم طبّقها على مجموعة من المخطوطات.

كانت النتائج رائعة، وبفضل هذه القواعد، أصبح الوصول إلى المخطوطات أسهل وأكثر تنظيمًا، وتمكّن الباحثون والمطلعون من الوصول إلى معلوماتهم بسهولة تامة.

لكن الأمر لم يتوقف هنا! كانت التغذية الراجعة من المكتبيين والمستخدمين في المكتبات هي المفتاح لتحسين النظام.

عمل علي بلا كلل على تطوير وتعديل المنهجية بناءً على هذه الملاحظات، حتى أصبح المشروع نموذجًا يُحتذى به.


المشروع يتجاوز الحدود


ما لبثت مكتبات أخرى أنِ اهتمت بما طرحه علي طالب من نظرية في الفهرسة، ولكن الأثر الأكبر كان في كيفية تغيير طريقة التفكير في الفهرسة العربية.

لم يعد الأمر مجرد نقل القواعد الغربية إلى اللغة العربية، بل أصبح بمثابة تطوير نظام يتناغم مع الثقافة العربية واللغة الغنية التي تمتاز بها.

اليوم، تُعتبر قصة علي طالب نموذجًا حيًا لما يمكن أن تحققه الإرادة والدعم المؤسسي، فبفضل تفانيه وجهده، استطاع أن يضع حجر الأساس لنهضة معرفية جديدة في مجال الفهرسة العربية للمخطوطات.

 إنّ قصته ليست مجرد إنجاز فردي، بل هي ثمرة تعاون بين الجهود الفردية وبين المؤسسات الداعمة التي تؤمن بقوة العلم والمعرفة.