في منطقة الحسينية ذات الهوية الزراعية والواقعة في كربلاء، 125كم جنوب العاصمة بغداد، يعيش أحد المزارعين، تحديات يومية في زراعة أرضه التي تبلغ مساحتها 40 دونمًا.
معاناته لم تكن جديدة، بل استمرت لسنوات طويلة بسبب انخفاض غلة الأرض، وصعوبة الري، وارتفاع أسعار السماد، وطرق الزراعة التقليدية.
تحدّث هذا المزارع عن محاصيله قائلًا: "قبل عشر سنوات، كان الإنتاج بالكاد يغطي التكاليف، ناهيك عن الجهد والتعب".
ويضيف، "مع ارتفاع تكاليف الزراعة وتدهور جودة المياه، تفاقمت التحديات لدرجة أنّ السنوات التالية حفلت بالكثير من الخسارات المتتالية".
لكن الأمل بدأ يلوح في السنوات الأربع الأخيرة، عندما بدأ هذا المزارع باستخدام بذور الحنطة والأسمدة التي توفرها العتبة العباسية المقدسة، مبينا، "لاحظت فرقًا كبيرًا حين اعتمدتُّ نوعية البذور الجديدة، وظفرتُ بكثافة إنتاجية وبات محصولي أكثر وفرة واستدامة".
التحول الزراعي لمزارع آخر
في منطقة أخرى، يسرد مزارع آخر، تجربة مشابهة، قائلًا: "جربت العديد من أنواع البذور، لكنّ الإنتاج كان متذبذبا وغير مضمون، وبعد التحول لاستخدام البذور المنقّاة من معمل العتبة العباسية، أصبَحَتِ المحاصيل مقاومة للأمراض والآفات، حتى الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة".
ويتابع، "بفضل هذه البذور، ارتفع إنتاج أرضه من 20 طنًا سنويًا إلى أكثر من 30 طنًا، ممّا غيّر نظرته إلى المستقبل الزراعي وبدا أكثر تفاؤلًا، "الأمر لم يقتصر على جودة البذور فقط".
لافتا، "بل شمل أيضًا الإرشادات الفنية المقدمة؛ لتحسين طرق الزراعة والعناية بالمحصول" يضيف هذا المزارع.
معمل تنقية الحنطة خطوة نحو المستقبل
وسط هذه النجاحات، يبرز معمل تنقية الحنطة كأحد المشاريع الاستراتيجية التابعة للعتبة العباسية المقدسة التي أحدثت فرقًا واضحًا، تأسس المعمل عام 2021 بعد مناشدات عديدة من الفلاحين ممن عانوا من تدنّي مستويات إنتاج حقولهم بسبب رداءة نوعية بذور القمح.
يوضّح المهندس علي مزعل، معاون المدير المفوض للشركة، أنّ الهدف الأساسي كان، "تنقية البذور والحبوب من الشوائب والأدغال لضمان جودة عالية تصلح للزراعة أو الطحن".
ويشير، "المعمل بطاقة إنتاجية تتراوح بين 10 إلى 15 طنًا في الساعة، يعتمد على تقنيات حديثة.
وبحسب الأستاذ مزعل فإنّ، "تصل نقاوة الحنطة إلى نسبة 98%، عِلمًا أنّ عمليات التنقية كلّها تتمّ آليا وفق نظم برمجية تضمن الكفاءة".
ويختتم، "الشوائب الناتجة عن عمليات التنقية تُستخدم كأعلاف للحيوانات، ما يجعل المشروع مستدامًا بيئيًا واقتصاديًا".
العتبة العباسية رؤية تنموية شاملة
وتلعب العتبة العباسية دورًا محوريًا في تحسين الزراعة عن طريق شركة الكفيل للاستثمارات العامة، التي تأسست عام 2009، وتعمل الشركة على تقديم حلول مستدامة تشمل توفير بذور وأسمدة عالية الجودة؛ دعمًا للفلاحين، فضلًا عن توفير آلاف فرص العمل في المناطق الريفية وغير الريفية.
وفقًا لتصريح مدير الشركة، جعفر حسين القطب، فإنّ "الرؤية تتمثل في تعزيز الاقتصاد الوطني عن طريق مشاريع تنموية تركز على الزراعة، والصناعة، والسياحة".
ويبدو أنّ هذه المشاريع أسهمت بشكل جاد في تقليل البطالة، أو على الأقل في توفير آلاف فرص العمل للشباب وتحسين معيشة عائلاتهم.
التحديات والحلول
وبالرغم من النجاحات في السنوات الأخيرة غير أنّ القطاع الزراعي في العراق ما زال يواجه تحديات، يتمثل بعضها في تفريط غير قليل من المزارعين بأهمية اختيار البذور المناسبة.
اذ يوضح الخبير الزراعي كاظم المحمدي، أنّ "غياب الرقابة على جودة البذور، وطرق الحصاد التقليدية، وسوء التخزين تؤدّي إلى تدني جودة الحنطة، ولكنّ استخدام تقنيات حديثة وتدريب المزارعين يمكن أن يعالج هذه المشكلات".
ويضيف، "تتحتم أهمية إنشاء مخازن حديثة للحفاظ على جودة الحبوب، وفرض رقابة صارمة على الإنتاج المحلي".
لكنّه يثني على جهود العتبة العباسية في مواجهة المشاكل الزراعية ودعم المزارعين، وإيجاد الحلول لأصعب التحديات قائلاً: "مشاريع مثل معمل تنقية الحنطة ليست فقط داعمة للفلاحين، بل تسهم في تعزيز الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد".
قصص نجاح بأبعاد وطنية
تمثل قصص المزارعين نموذجًا حيًّا للتغيير الإيجابي في الزراعة العراقية، ومع المشاريع التي تقودها العتبة العباسية المقدسة، يظهر الأمل في تحسين الإنتاجية وتعزيز التنمية المستدامة.
بين التحديات اليومية والأمل في المستقبل، تبقى الجهود المبذولة لدعم الزراعة في العراق حجر الأساس لبناء قطاع زراعي مستدام يلبّي احتياجات الأجيال الحالية والقادمة، ويجنب البلاد مزيدًا من الاعتماد على ما يُنتج في الدول المجاورة لتوفير الغذاء للسّكّان.