قبل سنوات، كانت الطموحات تراود المعنيّين في العتبة العباسية المقدسة لتأسيس مختبر هندسي إنشائي يقدم حلولًا هندسية تسهم في ضمان جودة المشاريع العملاقة التي تنفذها العتبة بهدف تحسين وتوسيع الخدمات المُقدَّمة للزوار، أو تلك التي تحمل بعدًا اقتصاديا وتجاريا.
اليوم، وبعد سنوات من تأسيسه، أصبح المختبر علامة فارقة بين المؤسسات المتخصصة في فحص واختبار المواد الإنشائية، بل أصبح يقدم خدماته للمقاولين من أصحاب المشاريع خارج نطاق العتبة العباسية المقدسة، مما يثبت مدى كفاءته وانتشاره.
اختبارات متنوعة
يجري المختبر اختبارات متعددة تشمل الخرسانة، والتربة، والمواد الأخرى المستخدمة في البناء؛ لتلبية احتياجات المشاريع الكبرى مثل توسعة الحرم الشريف وبناء المراكز الخدمية الحديثة.
وقد واجه المختبر تحدّيات كبيرة عند تأسيسه، إذ كان من الضروري تجهيزه بأحدث المعدات والتقنيات لضمان دقة الفحوصات.
ويقول مدير المختبر الهندسي الإنشائي المهندس عمار اليساري: "إنّ المختبر الهندسي الانشائي هو أحد شعب قسم المشاريع الهندسية في العتبة العباسية، وقد تأسس في 2011 وحاز على موافقة أصولية من نقابة المهندسين العراقيين".
فيما يشير المهندس، عماد عادل، وهو أحد المختصين العاملين في المختبر إلى أهميّة إخضاع مواد البناء مختبريًا لضمان جودتها ومطابقتها للمعايير الهندسية.
ويقول: إنّ "ذلك يسهم في تأكيد سلامة المبنى وزيادة استدامته، كما يساعد في الكشف عن العيوب المحتملة والتأكّد من ملاءمة المواد للظروف البيئية والمواصفات المطلوبة".
مبينا، المختبر كان يقدم خدماته فقط للمشاريع الخاصة بالعتبة العباسية المقدسة، لكنّه استدرك بالقول: "وبمرور الوقت، بدأ المختبر يقدم الفحوصات والمشورة للجهات العاملة في مجال الإنشاءات من خارج العتبة".
وتخضع المواد الإنشائية للفحص الدقيق وفق المعايير الدولية، مع استخدام أجهزة فحص عالية الجودة ومن أفضل المناشئ العالمية.
"وقد أثبت المختبر جدارته في إجراء اختبارات دقيقة للخرسانة، التربة، الأسفلت، وغيرها من المواد المستخدمة في مشاريع عملاقة، وفي كافة الفحوصات المختبرية التي قدمها"، يقول عماد.
مختبرات عدة في مكان واحد
يحمل المختبر اسمًا مركزيًا واحدًا هو "المختبر الهندسي الإنشائي، لكنه يتكون من مختبرات متخصصة عديدة، مثل مختبر البناء الذي يختص بفحص مواد الصب (الخرسانة) وحديد التسليح، بالإضافة إلى فحص المواد الأخرى المستخدمة في البناء.
كما يشمل مختبر تحليلات التربة المتخصص في فحص التربة وملاءمتها للمشاريع، ويجري تحريات تربة حتى أعماق تصل إلى 30 مترًا. أما مختبر التحليلات الكيميائية، فيهتم بفحص التركيب الكيميائي للمواد المستخدمة، مما يسهم في ضمان جودة المشاريع.
وفي البداية كان عمل المختبر مقتصرًا على مشاريع العتبة العباسية المقدسة، ولكنّ عمله توسّع بعد إثبات كفاءته، ليشمل مشاريع تنفذّها شركات مقاولات خارج دائرة العتبة المقدسة.
يقول أحد المقاولين، وقد نفذّت شركته مشاريع عديدة بمساعدة المختبر الهندسي الإنشائي التابع للعتبة العباسية المقدسة، "لقد تعاونتُ مع العديد من المختبرات في مسيرتي المهنية، لكن المختبر التابع للعتبة العباسية يتفوق بجدارة".
موضحًا أنّ المختبر وفّر له نتائج دقيقة وسريعة، ما ساعده في تحسين عملية التخطيط والتنفيذ للمشاريع، بالإضافة إلى ضمان التزامه بأعلى معايير الجودة والموثوقية.
ويقول: "التعاون مع هذا المختبر ساعدنا في تحقيق مشاريع ناجحة وموثوقة في وقت قياسي".
نتائج تثير الاعجاب
لقد أصبح للمختبر الهندسي الإنشائي التابع للعتبة العباسية المقدسة دور محوريّ في تحسين جودة المشاريع العمرانية في كربلاء.
يقول المهندس عبد الله الكعبي، مختص في هندسة الإنشاءات: "المشاريع التي نُفذّت بمساعدة المختبر باتت تمثل معيارًا للمتانة والأمان" موضحًا أنّ هذه المشاريع تتميّز بقدرتها الفائقة على تحمّل الظروف البيئية مع الالتزام التام بمعايير السلامة الهندسية.
ويقول: "هذا المستوى من الجودة أصبح مصدر إعجاب ليس فقط للمعنيين في مجال الإنشاءات، بل للمواطنين الذين يشعرون بالاطمئنان في أثناء تواجدهم في هذه الأماكن".
دور ريادي
يتحدّث الفاحص الفني في المختبر، حيدر علي حسين، عن مختبر الإسمنت الذي يتخصص في إجراء فحوصات شاملة للإسمنت و"الجص والبورك"، قائلًا: " تُجرى هذه الفحوصات باستخدام أحدث الأجهزة العالمية مثل الخلّاط الأوتوماتيكي لخلط المواد بشكل دقيق، وجهاز فحص الانضغاط والانثناء؛ لقياس قوة تحمّل المواد تحت الضغط".
ويضيف حسين أنّ المختبر، بفضل تجهيزه المتقدّم وخبراته الفنية، حصل على شهادة الاعتماد العراقية، مما يعزّز مكانته كأحد المختبرات الرائدة في البلاد في مجال فحص المواد الإنشائية.
رؤية مستدامة للمستقبل
ومع مرور الوقت، أصبح المختبر جزءًا لا يتجزأ من رؤية العتبة العباسية المقدسة في تطوير الحلول الهندسية المستدامة، فقد بدأت العتبة بإطلاق مشاريع تعتمد على مواد صديقة للبيئة، وكان المختبر هو المسؤول عن إجراء الفحوصات الضرورية لضمان سلامة هذه المواد.
وأصبح المختبر الهندسي الإنشائي ليس فقط رمزًا للجودة والدقة، بل جزءًا أساسيًا في النهضة العمرانية التي تشهدها كربلاء المقدسة، وهو يضيف للمجال الهندسي العراقي بعدًا جديدًا من التميز والابتكار.