
أكاديمية الكفيل للإسعاف الفوري
لم تتردد أم هادي في زرع قبلة بين عيني "حيدر" وسط الحشود المكتظة حولهما، قبل أن تمسح دموع الفرح وهي تتفحّص حفيدها رضا، الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الموت المحقق.
إذ تمكَّن "حيدر" من إخراج حبة كرز صغيرة، حشرت في القصبة الهوائية للطفل رضا، بثوان معدودة بعد أن عجز الآخرون عن إنقاذه.
وأم هادي الحاجة "الستينية" جاءت بصحبة حفيدها رضا للمشاركة في مراسيم زيارة الأربعين في مدينة كربلاء المقدسة سيرا على الأقدام أسوة بالحشود المليونية التي تقصد المدينة لإحياء هذه المناسبة الدينية.
وصادف خلال مسيرهما أن ابتلع حفيدها حبة كرز، نفذت خطأ إلى قصبته الهوائية، مما أفضى به إلى اختناق كامل.
تقول أم هادي، "أصابني الذعر وأنا أرى رضا يتحول لون وجهه الى الأزرق ويلوح لي بعدم قدرته على التنفس".
وتضيف، "لم اعرف ماذا أفعل، وحتى الرجال والنساء لم يفهموا ماذا أصاب حفيدي، لولا وصول هذا الشاب (تشير إلى حيدر) في الوقت المناسب".
كانت الحاجة تتحدث وتشيد بحيدر، دون أن تعرف من هو، وماذا يعمل، ولماذا كان هو "الوحيد" من بين مئات الرجال الذين حولها، استطاع إنقاذ حفيدها.
فأم هادي لم تدرك أن الذي ساعدها هو حيدر خليل إبراهيم، الشاب الذي تمرس في مهام الإسعاف الفوري منذ سنوات، وهو مدير أكاديمية الكفيل للإسعاف الفوري والتدريب، التي هي إحدى مؤسسات العتبة العباسية المقدسة، ويقود فريق إسعاف رفيع المستوى، يقدم خدماته خلال الزيارات المليونية التي يشهدها العراق.
هذه المؤسسة الفتية التي أسستها الأمانة العتبة العباسية المقدسة، مع انطلاق فتوى الدفاع الكفائي، عام 2014؛ لمؤازرة قوات الحشد الشعبي والجيش والأجهزة الامنية.
وقد تبين أن حيدر ورث خبرته عقب اشتراكه في علاج مجاهدي معارك التحرير ضد داعش، إذ تمكن بمعية رفاقه المسعفين من إنقاذ عشرات الجرحى في ساحات المعارك.
يقول حيدر، "كانت باكورة تأسيس الأكاديمية في ظرف حرج جدا تمثل بانطلاق معارك تحرير مدن العراق من دنس التنظيم الإرهابي".
مبينا أن الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة وجدت ضرورة ملحة في مساندة المجاهدين عبر توفير الدعم الطبي والصحي لهم".
ويضيف، "كانت تجربة فريدة من نوعها تكللت بالكثير من الإنجازات لا سيما بعد انضمام عدد من الخبراء في الإسعاف الفوري".
موضحا، "تتولى الاكاديمية في الوقت الحالي عدة مهام، على رأسها نشر مفارز الإسعاف الفوري، داخل وخارج مدينة كربلاء المقدسة، خلال الزيارات المليونية، إلى جانب تقديم التدريب للمنظمات، والفرق الأخرى الناشطة في هذا المجال فضلا عن الاستشارات العلمية".
وتشهد مدينة كربلاء المقدسة اكتظاظا، خلال موسم الزيارات الدينية، اذ يفد عليها عشرات الملايين من الزائرين من داخل العراق وخارجه، فيما تعد زيارة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام في العشرين من شهر صفر أضخم تلك الزيارات.
اذ يقدم على كربلاء ملايين الزائرين سيرا على الأقدام؛ لإحياء زيارة الأربعين، مما يتطلب جهدا طبيا استثنائيا، إلى جانب الجهود المفترضة الأخرى؛ لتأمين سلامة واحتياجات حشود الزائرين.
وتنشر الأكاديمية خلال تلك المواسم عشرات المفارز الطبية، بمشاركة المئات من المتطوعين المدربين بشكل علمي دقيق.
وبحسب "حيدر"، لم تقتصر نشاطات الأكاديمية على مدينة كربلاء فقط، بل شاركت في تقديم خدمات الإسعاف بسامراء المقدسة،، وبعض المدن الأخرى خلال مواسم الزيارات المليونية.
(من أحياها)
إلى ذلك يروي المسعف سيف نصر الله الذي يعمل مسعفا ومدربا في الوقت ذاته، بأكاديمية الكفيل كيف نجح أحد المسعفين من تنشيط عضلة القلب لأحد الزائرين بعد أن توقفت، قائلا، "سقط أحد الزائرين بسكتة قلبية أمام باب قبلة مرقد أبي الفضل العباس عليه السلام، وكانت الحشود المليونية تغلق الطرق بشكل شبه تام".
مبينا، "تعذر نقل المصاب مما دفع بالمسعف إلى استخدام جهاز الرجفان الآلي لعلاج المصاب، وقد تكللت جهوده بالنجاح الباهر، وتم إنقاذ المصاب من الموت المحقق".
مشيرا إلى أن "جميع الحالات التي قدمتها كانت ناجحة، وكانت سببا في إنقاذ زائرين كثيرين".
فيما يعزو مستشار الأمين العام للعتبة العباسية المقدسة للشؤون الصحية السيد فائز محمد الشكرجي تأسيس الأكاديمية إلى "ضرورة تقديم العلاج الفوري في الحالات الطارئة خلال الزيارات المليونية التي يتعذر فيها نقل المصابين -بشكل سلس- إلى أقرب مركز صحي".
ويضيف بأن "هناك أهمية مضافة، تكمن في ضرورة تأهيل أفراد من المجتمع؛ للتعامل مع الحالات الحرجة والإصابات".
مؤكدا، بأن الأكاديمية "تعمل على نشر الوعي الصحي والدعم النفسي؛ للعناية بالحياة وانقاذ الأرواح، وسلامة المجتمع".
ويقول بأن "رؤية العتبة العباسية المقدسة، وسماحة المتولي الشرعي (دام عزة)، في نشر الوعي والثقافة الصحية بين المجتمع، وأيضا تقوية الأواصر الإنسانية بالأخص" مبينا، "بأن ديننا هو الدين الإسلامي، فمن الطبيعي ان نعمل بالحالات الإنسانية لإنقاذ الأرواح، وانطلاقا من قوله في كتابة الكريم (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)".
برنامج الاخلاء الطبي
ويوضح مدير الأكاديمية أن أبرز الإصابات التي يتعرض إليها الوافدون إلى المدن المقدسة، خلال الزيارات المليونية، هي الرعاف والصرع، والإعياء الحراري والصدمة الحرارية، إلى جانب حالات الغصة التي يتعرض لها الكثير من الزائرين.
ويقول، "خلال عشرة أيام فقط من زيارة الأربعين الأخيرة، تمكنت فرق الإسعاف الفوري، من تقديم العلاج السريع لأكثر من 7512"، مشيرا إلى أن "أكثر الحالات التي تحتاج إلى إسعاف واهتمام هي الصدمات الحرارية حين تكون الزيارات المليونية في فصل الصيف".
ويرى المسعف حيدر خليل أن "هذه الحالات لا تحتاج إلى نقل، وإنما عناية آنية ومؤقتة للمصاب، وإلى دعم نفسي، بالإضافة إلى حالات ارتفاع وانخفاض في الضغط، والكسور والجروح البسيطة"
مبينا أنه قد "اعدت الأكاديمية برنامجا سُمِّي (بالإخلاء الطبي الطارئ)، وهو مقسم إلى عدة فرق إسعافية".
وبحسب حيدر فإن "مهام تلك الفرق تتمثل بنقل المصاب في حال حدوث طارئ إلى أقرب مستشفى، أو مركز صحي، وفق خطط واستراتيجيات معدة مسبقا".
ووسعت الأكاديمية نشاطاتها؛ لتقديم الخدمات لزائري العتبات المقدسة الأخرى، اذ اشتركت في عدة برامج خاصة بالإسعاف الفوري؛ لزيارة العتبة العسكرية المقدسة، كما بادرت الأكاديمية إلى تنظيم عدة ورش تدريبية، لعشرات المتطوعين، ولكلا الجنسين لتهيئتهم للمشاركة في الزيارات المليونية.
برامج التدريب
وتنقسم برامج الورش التدريبية إلى فئتين، الفئة الداخلية، وتقتصر على منتسبي العتبة المقدسة، والفئة الخارجية، وهم المستفيدون، من طلبة وموظفي الجامعات والمدارس والمستشفيات، ومنتسبي العتبات الأخرى مثل العتبة العسكرية المقدسة.
يقول حيدر، "للأكاديمية عدة مبادرات، في طليعتها تدريب منتسبي العتبة المقدسة على الإسعافات الأولية، كإنعاش القلب الرئوي، وكذلك بعض أمور الغصة".
ويضيف، "هناك 350 متطوعا، يمارسون مهامهم الإسعافية أثناء الزيارة، ويمكن أن نستدعيهم في وقت الحاجة أيضا"، مشيرا إلى أنه "يجرى اختيار المتطوع ضمن عدة معايير أساسية، قبل الاشتراك بخطط الأكاديمية خلال الزيارات، منها الخبرة وخلوه من الأمراض، وبعمر متوسط، ويتحلى بالأخلاق والتدين والالتزام بضوابط وتعليمات العتبة المقدسة.
وتعد مساعدة ونقل الحالات المرضية والمصابين من جراء الحوادث والحروب والانفجارات والكوارث الطبيعية والحالات الطارئة أبرز مهام الإسعاف الفوري؛ للمحافظة على حياة المصاب وتقليل الأضرار والآلام، والحيلولة دون حصول المضاعفات.
تعاون وإسناد
في سياق متصل يشير مسؤول الأكاديمية أن هناك تعاونا، في مجال الصحة، من قبل قسم الشؤون الطبية، في العتبة العباسية المقدسة، إلى جانب مستشفى الكفيل التخصصي أيضا.
إذ يعدُّ قسم الشؤون الطبية أحد الروافد الأساسية للأكاديمية على صعيد الاحتياجات اللوجستية للفرق الإسعافية التي تنتشر خلال الزيارات، وقد أتاح مستشفى الكفيل فرصة استقبال الحالات المصابة للعلاج، في مشيدات مؤقتة تُهيَّأ خلال الزيارات حصرا.
ويبلغ عدد منتسبي الاكاديمية 20 منتسبا، وتتكون من الوحدة الإدارية والمالية، ووحدة التخطيط والتدريب، والمعنية بتخطيط البرامج التدريبية، والورش والدورات التدريبية، وملاكها يتكون من مدربين ومخطط ومدخل بيانات، بالإضافة إلى وحدة الإعلام والعلاقات العامة.