image alt

البحث في النقطة العمياء من التاريخ

البحث في النقطة العمياء من التاريخ

جهود حثيثة لإحياء ما اندثر من تراث العلماء الشيعة


يعكف مرتضى رضا على التنقيب عن أثر الشخصيات التاريخية الفريدة من نوعها، مستثمراً ما يقع في يديه من مخطوطات وكتب قديمة علّه يحصل على المعلومات التي يبحث عنها.

فرضا الذي يعمل باحثاً في مركز إحياء التراث في العتبة العباسية المقدسة، يقضي عدة ساعات يومياً فيما "يراه مسؤولية شخصية تقع على عاتقه".

ويروي، أنه أمضى أربعة أشهر متتالية في البحث والاستقصاء عن شخصية دينية عريقة غيبت عن الظهور، مستعيناً بمخطوطات وكتب قديمة للوصول إلى مرامه الصعب.

وكما يبدو فقد نجح في الإلمام بجزء كبير مما يسعى إليه، قاطعاً بذلك الأشواط النهائية من مارثون تحقيقه الطويل عن العالم الجليل السيد عبد النبي الجزائري أحد علماء المذهب الشيعي المؤثرين.

ويقول، "كنت أقضي ثلاث ساعات يوميّاً في البحث والتدوين ومحاولة الوصول إلى المعلومات الدقيقة والصحيحة عن العالم الجليل عبد النبي الجزائري".

مبيّناً، "هذا الشيخ الجليل كانت له الكثير من التجليات العلمية في قضايا العقائد والفقه والشؤون الحوزوية على صعيد المذهب وله عدة مؤلفات بالغة الأهمية".

والشيخ عبد النبي بن سعد الدين الغروي الجزائري الحائري هو أحد علماء الفقه الشيعي في القرن الحادي عشر للميلاد، ولديه عدة مؤلفات ثرية على صعيد الفكر الإسلامي.

ويهتم مركز إحياء التراث، إحدى الشعب المهمة في قسم المعارف الإسلامية والانسانية التابع للأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة، في إبراز وحفظ تراث علماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام المندثر.

وبحسب رئيس القسم الشيخ عمار الهلالي فقد جاءت فكرة تأسيس القسم، من أهمية حفظ التراث وإبرازه، وبتوجيه ودعم مباشر من لدن سماحة السيد أحمد الصافي المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة.

ويقول، "تبنت العتبة المقدسة إنشاء عدة مراكز لإحياء التراث في عدد من المحافظات العراقية، ابتداء من محافظة كربلاء مروراً بمحافظات بابل وصولاً إلى البصرة مروراً بمحافظات الفرات الأوسط، إلى جانب مركز التراث الإسلامي في مدينة مشهد بجمهورية إيران الإسلامية".

ويشكو كثير من المؤرخين والمراقبين المسلمين الشيعة من اندثار كبير في التراث الشيعي، بسبب العوامل السياسية السائدة والنظم القمعية التي كانت تقبض على السلطة في العراق على مدى قرون خلت.

إذ يعزو أحمد جويد أحد الباحثين في مراكز الدراسات الاستراتيجية في كربلاء ضياع جزء كبير من الأرشيف والتراث الخطي الشيعي إلى الأوضاع القاسية التي كان يعاني منها الشيعة خصوصاً في العراق.

ويقول، "واجه العلماء الشيعة على مرّ التاريخ التضييق والتهميش والحرب المعنوية لأسباب طائفية وسياسية".

ويضيف، "هناك آلاف من الكتب الفقهية والعقائدية فقدت كليّاً أو جزئيّاً بسبب تلك الظروف".

مشيراً، "قد يتفاجأ كثير من الناس لو علم أعداد العلماء ومنجزاتهم المغيبة بسبب قلة اهتمام السلطات في تلك الحقب ومحاولة التعتيم عليها أو مصادرتها".


ويرى المؤرخ حيدر الفتلاوي فيما يطرحه الباحث أحمد جويد كثيرا من الصواب، معلقاً، "بالفعل لو استعرضنا عدد العلماء الشيعة الذين لم يسلط الضوء عليهم لأصابنا الذهول من كثرة عددهم واثارهم العلمية".

ويقول، "عشرات العلماء لا تراث لهم ظاهراً للعيان، فليس لهم حظ من الطباعة والنشر ولا حتى الدراسة والتحقيق، وذلك على الرغم من أهمية تراثهم في أحايين كثيرة".

مشيراً، "اعتقد إن هناك أسباباً تضاف إلى ما تقدّم، في طليعتها ابتعاد بعض العلماء عن الحوزات الدينية، جغرافيّاً، بسبب المهام التي كانت تُوكَلها إليهم المرجعيات العليا في أماكن بعيدة في ذلك الحين".

أحمد الغالبي أحد طلبة العلوم الدينية وجد في تأسيس العتبة العباسية المقدسة مراكز إحياء التراث خطوة جبارة يجب إن تحظى بعناية واهتمام كبير.

التراث الإسلامي ذات أهمية واسعة ومن الضروري البحث عنه والتدقيق ولاسيما إن المذهب الشيعي مرّ بعدّة ظروف سببت في غياب كبير للتراث والمخطوطات.

قائلاً، "هناك نقطة معتمة في التاريخ الشيعي، بسبب التغييب المتعمد وغير المتعمد لرجالات ومؤلفات علماء الدين الشيعة".


معلّقاً، "كأنها فاصلة تاريخية بين السابق واللاحق حيث صُب الاهتمام على الفترات السابقة لهم، والفترات اللاحقة لهم، من خلال التحقيق والدراسة والبحث، أمّا الفترة التي لا يوجد فيها تراث، نراها كأنها نقطة معتمة في وسط السلم الزمني، وبالنتيجة النهائية إن البحث بهذا التراث في هذه الفترة له أهمية كبيرة جداً بالنسبة للمجتمع؛ لأنّه يشكل سلسلة للتواصل الإنساني والنتاج الثقافي للبلد مع تاريخه الثقافي".

ويكشف الشيخ الهلالي إنّ قسم المعارف الإسلامية والانسانية بادر إلى التعاقد مع عشرات الباحثين في الشؤون التاريخية بهدف إعداد وإحياء تراث العلماء بمختلف تصنيفاتهم ودرجاتهم العلمية.

موضحاً، "اختير التعاقد مع كثير من الباحثين من داخل العراق وخارجه ضمن خطة أعدها القسم لنجاح هذه المهمة الحساسة".

مكملاً، "في الوقت الحالي هناك باحثون يعملون لدى القسم بشكل دائمي، وهناك منهم بالأجر اليومي والمكافأة والساعات، وبعضهم يتم التواصل معهم من خارج القسم للاستفادة من بحوثهم ودراساتهم".