
برامج وفعاليات للحد من التأثير السلبي للأنترنت
لا يخفي السيد أحمد عبيد امتعاضه مما يراه من انحراف في القيم والمبادئ التي نشأ عليها هو وآباؤه، واصفاً ما يراه بمساع خبيثة لزرع الانحلال الاجتماعي وسط بلد حضاري إسلامي وعشائري تضبط إيقاع سلوك أبنائه ضوابط مهمة ضمن هويته الثقافية، من الخطر تجاهلها.
والسيد عبيد هو أب لأربعة أبناء، لصبيين وفتاتين على أعتاب البلوغ، وهو ما دعاه للقلق والعمل على صيانتهم نفسيا، كما يقول من تأثير "السلوكيات الأجنبية".
مضيفاً، "باتت مهمة تربية الأبناء أشد صعوبة بأضعاف عما كانت عليه في السابق".
موضحاً، "كانت مصادر ثقافتنا وسلوكياتنا ننهلها من الآباء والمعلمين في المدارس والمجالس الحسينية والعشائرية".
مكملاً، "في الوقت الحالي ينشأ الابن وسط ضجيج من التأثيرات المتباينة التي تتخللها كثير من الثقافات الشاذة على مجتمعنا".
مشيراً، "ما ينشر ويروج في وسائل الإعلام سواء التلفزيونية أو من خلال الانترنت أمور خطيرة منحرفة تتنافى مع الآداب العامة الموروثة ضمن هوية المجتمع العراقي".
تلك الهواجس يبدو انها تجتاح كثير من الآباء في العراق، خصوصا مع بروز بعض السلوكيات المخلة والشاذة، فيقول السيد علي حسين وهو أب لخمسة أبناء، "باتت وسائل التواصل الاجتماعي مؤثرة جداً في سلوك الناشئة وعلى الأطفال بشكل خاص".
ويضيف، "هناك توجه كبير لدى شريحة الأطفال والناشئة صوب مواقع التواصل الاجتماعي".
مبيناً، "أخطر ما في هذا الشأن إن تلك المواقع الإلكترونية تجسد حرفياً غزواً ثقافياً شاذاً".
معلقاً، "تحديدا هو دس السم في العسل".
مشدداً، "هكذا هي وسائل الإعلام ومواقع التواصل الآن، فهي تضرب من الداخل حتى تصل لأهداف من خلال ما تقدم من أعمال ونتاجات درامية، وبالتالي فهي تؤثر بطريقة تدريجية في الثقافة والتربية وتغير في المضامين ووجهات النظر للناشئة".
ويشير السيد علي إلى أن "هناك من يقف وراء تلك المحتويات ويوجهها للعبث والتلاعب بأفكار وعادات وقيم المجتمعات الإسلامية بشكل عام والشعب العراقي بشكل خاص".
وتشير بعض الدراسات البحثية إلى أن 62% من الشبان الذكور الذين تبلغ أعمارهم 17 عامًا يقضون أكثر من 7ساعات يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما تقضي الفتيات ما معدله 9 ساعات يوميا.
وجدت إن الوقت الذي يقضيه الأطفال في سن 13 عامًا على وسائل التواصل الاجتماعي هو الأقل بين الأطفال بواقع 4.1 ساعة يوميًا.
بدوره يرى الأستاذ التربوي عبد الحميد الشريفي إن (85- 90%) من الناشئة باتوا معرضين لتأثير سلبي لما ينشر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
ويقول، إن "أغلب ما تتضمنه محتويات الانترنت سواء كانت برامج أو مسلسلات أو مضامين إعلامية فردية هي مؤثرات ورسائل غير مباشرة تدعو إلى مخالفة الشرائع الدينية والأعراف الاجتماعية الحميدة في العراق".
مشددا، "إنها مضامين مدروسة تسعى إلى شيوع التفاهة والانحلال والشذوذ".
لافتاً، "مع الأسف الشديد أصبحت تلك المضامين تنتج داخل العراق بعد أن كانت تقتصر على ما يأتينا من الخارج".
من جانبه أشار الناشط الحقوقي الدكتور فراس الياسي إلى أن "معظم الأعمال الدرامية التي تنتج وتعرض في وسائل الإعلام لا تؤدي أهداف الإعلام المتمثلة بالتعليم والتثقيف والتنشئة الاجتماعية وتنوير الرأي العام".
مضيفاً، "بعض الدراما موجهة بطريقة تسيء للشخصية العراقية والعقائد والثقافة العراقية بطريقة قصدية لاسيما الدراما التي تنفق على إنتاجها جهات خارجية سواء بالإشراف المباشر أو عن طريق توجيه الوكلاء المنفذين".
ويتابع، "أما الدراما التركية فإنها موجهة للمنطقة العربية بشكل عام وتحمل أهدافاً واضحةً وأخرى ضمنية منها التمجيد بالتاريخ العثماني والتبشير بالثقافة الاوروبية الجديدة التي تحاول اظهار تخليها عن المعتقدات الإسلامية بما تنشره من مضامين لا تتناسب مع الشريعة الإسلامية كتبرير الخيانة الزوجية".
إلى ذلك كشفت الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة عن إدراكها لحجم التحديات الناجمة عن تلك الظاهرة السلبية، كاشفة عن استمرارها في تبنّي عدة مشاريع لمواجهتها.
فبحسب رئيس الإعلام السيد علي البدري فإن هذه التحديات تواجه جميع من يعيشون في هذا الزمن المتسارع في الأحداث والتطورات".
مضيفاً، لقد غزت التكنولوجيا بيوت الناس وازدحمت الثقافات على شاشات الأطفال والكبار وانتشار التسطيح الفكري والسذاجة وسرعة الملل وحب الاستعراض والتباهي والبحث عن الثناء والإطراء من الآخرين".
مؤكداً، "هذه التحديات تمثل أزمة إنسانية في حياة الشعوب في هذا الزمن حيث يفقد الناس الصبر والتأني والكتمان والتواضع والقبول باليسير وهذه صفات محمودة تهذب الإنسان وتجعله أكثر كمالاً".
ويشير رئيس قسم الإعلام إلى أن العتبة المقدسة تعمل على التصدي لهذه المتغيرات الاجتماعية وتقديم الأفكار والقيم بطرق تناسب هذا الزمن المتسارع والقصير والمنوع".
شعب وبرامج متخصصة
أزهر خميس مخرج وسيناريست في مركز الكفيل للإنتاج الفني والبث المباشر بيّن أن أحد وسائل قسم الإعلام في مواجهة الغزو الثقافي هي إنتاج أعمال فنية مؤثرة في مختلف الشرائح الاجتماعية في العراق والعالم.
فيقول، "بدأنا بإنتاج أفلام روائية طويلة وقصيرة وكذلك أفلام وثائقية (ديكودراما) نجسد تاريخ أهل البيت عليهم السلام والتاريخ الإسلامي بشكل عام".
ويضيف، "نهدف إلى وصول هذه الأعمال لأولادنا وبناتنا للنهل من تاريخهم الإسلامي الصحيح والحد من تأثير الأفكار المسمومة التي تتسلل من خلال القصص والأفلام الأجنبية".
وبحسب رئيس قسم الإعلام فإن العتبة المقدسة أيضاً تبنت عقد ونصف تأسيس شعبة معنية بثقافة الأطفال والناشئة.
مبيناً، "توجد شعبة خاصة تعنى بأدب الأطفال، وتتبنى إصدار مجلات تربوية وتعليمية وثقافية، إلى جانب شعبة الكشافة التي تهدف إلى تنمية الناشئة وصقل مواهبهم والنأي بهم عن المؤثرات الشاذة عبر برامج علمية خاصة بعلم الكشافة، وتم الحاقها مؤخرا بقسم الشؤون الفكرية والثقافية".