
كان الأمر أشبه بزلزال تحت قدميه، عندما أخبره الطبيب أن وضعه الصحي حرج جداً وبحاجة إلى تداخل جراحي خلال أسابيع قليلة وإلا فإن الموت سيكون مصيره.
وكما بدا فإن المرض لم يكن هو الوحيد الذي تكالب عليه، بل تعذر إجراء العملية الجراحية التي يحتاجها داخل العراق، وحتى إن وافق على السفر إلى خارج البلاد، فإن تكلفتها أكبر بكثير من إمكانياته المادية.
وكما يقال: المصائب لا تأتي فرادى.. تلك هي حالة (عباس غالب)، الذي يزاول مهنة التعليم الابتدائي منذ أكثر من ثلاثة عقود، وبات في عقده السادس من العمر.
ويسكن الأستاذ غالب محافظة بابل وسط العراق، ويؤكد أن كل مدخراته المادية تتمثل براتب شهري بسيط ومنزل متواضع يؤوي عائلته.
فبحسب غالب فإن تكاليف إجراء العملية الجراحية تبلغ أكثر من ثلاثين مليون دينار عراقي، كونها لا يتيسر إجراؤها سوى في جمهورية الهند، وهو أمر جعل فكرة الاستسلام لمغادرة الحياة خلال أسابيع أو أشهر على أكثر تقدير مهيمنة عليه.
اللطف الإلهي
وكما خيمت الهموم بظلالها القاتمة على ذهن السيد غالب، فإن الرحمة الإلهية كانت في طريقها إليه كما يبدو، فبدأ "بصيص نور يقوده الأمل من مدينة كربلاء" كما يقول.
مبيناً، "بعد أن قلّت حيلتي واستسلمت إلى فكرة الرحيل عن الحياة خصوصاً مع تعذر إجراء العملية الجراحية داخل العراق، فضلاً عن عجزي عن توفير تكلفة السفر إلى خارج البلاد للعلاج، أبلغني أحد الأصدقاء بإمكانية علاجي في مدينة كربلاء المقدسة".
ويضيف، "أخبرني صديقي إن عدداً من الأشخاص أجروا هذه العملية المعقدة في هذه المستشفى بكربلاء وبتكلفة أقل بكثير مقارنة مع السفر إلى الهند".
ويتابع، "لم أتوانَ عن التوجه لمستشفى الكفيل التخصصي بنية إجراء العملية خصوصاً إن تكلفتها أربعة ملايين دينار فقط".
مشيراً، "كان الأمر أشبه بمن يغرق وألقيت إليه نجادة الإنقاذ في اللحظات الأخيرة".
قصص متشابهة
أما السيد قاسم الفتلاوي من مدينة الناصرية جنوب العراق، فيعزو الفضل إلى الله أولاً ومن ثم إلى ملاك مستشفى الكفيل في كونه ما زال قادراً على السير.
فيقول، "كنت مهدداً ببتر ساقي اليمنى كونها مصابة بمضاعفات داء السكري".
مبيناً، "جميع الأطباء الذين راجعتهم خيروني بين أمرين، بتر الساق أو السفر إلى خارج العراق لتلقي العلاج كونه غير متوفر في مؤسساتنا الصحية الأخرى".
ويضيف، "قررت السفر إلى خارج العراق ولكن صدمت بعدم قدرتي على تأمين المبلغ الباهظ".
ويتابع، "لم أدّخر جهداً في مراجعة جميع مستشفيات العراق المعروفة، إلا أن النتيجة كانت ذاتها، البتر أو السفر إلى الخارج".
ويستدرك، "وجدت ضالتي بعد أربع سنوات من العناء الطويل مع حالتي الصحية، في مستشفى الكفيل".
موضحاً، "كانت تقنية (المايكرو سين) في المستشفى هي الوسيلة الوحيدة القادرة على إنقاذ ساق".
ويتابع، "بفضل الله اليوم جرت معالجة قدمي وباتت غير مهددة بالبتر ووضعها طبيعي ومستقر".
الكفيل التخصصي
ومستشفى الكفيل إحدى المؤسسات الصحية التي شيدتها العتبة العباسية المقدسة بهدف دعم القطاع الصحي في العراق وتقليل الاعتماد على السفر للخارج من خلال توفير كبار الجراحين العراقيين من الداخل والخارج، إضافة لبعض الأجانب.
وتضم المستشفى (200) سرير موزعة حسب حاجة كل اختصاص، رقود وإنعاش.
كما تحتوي على (12) صالة لإجراء العمليات الجراحية، وهو عددٌ أكبر من المتعارف علمياً عليه بثلاث أضعاف، وذلك رعاية من العتبة المقدسة لخصوصية المستشفى كونها تخدم أكثر من محافظة، ولتقليل الدور اللازم لانتظار العمليات، مضافاً إليها عيادات الطوارئ والاستشاريات والعيادات الخارجية.
وشيدت المستشفى على مساحة (12500) متر مكعب، فيما تبلغ مساحة بناية المستشفى (4000) متر مكعب وتتكون من اربعة طوابق وطابق ارضي وطابق تحت الارض.
إشادة ومطالبات
إلى ذلك يشيد كثير من المواطنين بجودة ومهارة الملاكات الطبية العاملة في مستشفى الكفيل التخصصي، فضلاً عن التجهيزات والمعدات الطبية المتوفرة داخلها.
إلا أن تلك المناشدات لم تخلُ من مطالبات لدعم أجور الرعاية الطبية التي يقدمها المستشفى، مناشدين العتبة العباسية المقدسة بذلك.
يقول المواطن حمزة عبد الصاحب وهو من سكنة محافظة كربلاء المقدسة، "مستشفى الكفيل أصبحت من أشهر المستشفيات في العراق ومن أفضلها، وهي تقدم رعاية طبية متميزة من جانب سواء كانت على صعيد الاهتمام الإنساني او الخدمات الصحية".
ويضيف، "الا أن كثيرا من الناس وأنا أحدهم غير قادرين في كثير من الأحيان على مراجعة المستشفى أو الحصول على خدماتها بسبب أسعار عملياتها المرتفع الذي يطلبه الأطباء".
مبيناً، "أرى من المناسب أن تخصص إدارة المستشفى جزءاً منها لذوي الدخل المحدود".
فيما يؤيد جليل حسن فكرة عبد الصاحب، إلا أن من جملة مطالبه كانت تشييد العتبة العباسية المقدسة مستشفى آخر لاستيعاب جميع من هم بحاجة إلى رعاية طبية خاصة.
فيقول، "أعتقد أن مشروع مستشفى الكفيل التخصصي حقق نجاحاً باهراً وباتت تتمتع بسمعة طبية على صعيد العراق وهذا الأمر مدعاة إلى تبني مشاريع أخرى على نفس الغرار".
ويضيف، "أتمنى على إدارة المستشفى شمول جميع المواطنين بنظام التأمين الطبي للعلاج لديها".
بينما بين الأستاذ جسام محمد السعيدي المشرف على اعلام المستشفى " ان أسعار الفحص في المستشفى هي أقل من أغلب العيادات الخاصة في جمهورية العراق، وهي تتراوح بين 15 ألف كحد أدنى للأطباء، و30 الف كحد أقصى، يذهب ثلثي المبلغ للطبيب وثلث للمستشفى، و ارتفاع أسعار العمليات سببه ارتفاع سعر الأجهزة المتطورة في المستشفى، والتي تتطلب أموالاً لقطع غيارها وصيانتها، ونوع الأطباء المستقدمين من خارج المستشفى من العراق وخارجه، إذ أنهم متميزون ومختصون من جامعات عالمية، وإن نجاح خدمات المستشفى هو بسبب هذه الخبرات العالية، والأطباء هم من عراقيي الداخل او المغتربين مع الاجانب".
مضيفاً "من العادة أن لهؤلاء الأطباء أسعارهم الخاصة، ولا يقبلون بغيرهم فهم من يحدد سعر العمليات وليست الادارة، وما يدفعه المريض يذهب نسبة (٧٢%)منه للطبيب الجراح وفريقه المساعد، بينما لا تزيد حصة المستشفى من اجور العمليات هي فقط (٢٨%) وهذا المبلغ يذهب لصرفيات وخدمات المستشفى والنفقات التشغيلية ويبلغ شهرياً بحدود مليار ونصف المليار دينار".
موضحاً أن "ما تبقى من أرباح يغطي حاجة من تستطيع المستشفى مساعدتهم من المرضى الفقراء والمعوزين وعوائل الشهداء وجرحى الحشد الشعبي، وذلك ضمن مشروعي (اطباء بلا اجور) الذي اطلقته المستشفى لمعالجة ذوي الدخل المحدود والساكنين في القرى النائية وفي جميع محافظات العراق وبالمجان وعلى يد امهر الأطباء المحليين والعالمين، ومشروع مساعدة الفقراء بنسب تتراوح بين 100% من سعر العملية الى 25% حسبما متوفر من ارباح"
من جانبه يرى الدكتور علي سلطان الرفاعي إن وجود المستشفيات الأهلية والمتخصصة في كل مجالات الطب هو أمر ضروري لسد النقص في الخدمات المقدمة من قبل المستشفيات الحكومية.
مشيراً، "لكن يجب أن يكون هدفها الأساس خدمة المواطن، وتستقطب خيرة الملاكات الطبية مع التقنيات الطبية المتطورة".
ويضيف، "إلى جانب كل ما تقدم فإن هذه المستشفيات تسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني".
موضحاً، "إنها توفر المبالغ الصعبة التي يصرفها المريض خارج العراق".
ويختتم، "ما يقدمه مستشفى الكفيل التخصصي من خدمات عموماً جيدة وقابلة للتطور نحو الأحسن، ويجب مراجعة أسعار العمليات من قبل الأطباء كونهم المسؤولين عنها وليست ادارة المستشفى بين فترة وأخرى، لمراعاة دخل المواطن".
بدوره يشير المتحدث الرسمي باسم دائرة صحة كربلاء المقدسة الدكتور عدي السلامي إلى، أن "ما تتمتع به المستشفيات الخاصة مثل مستشفى الكفيل من دعم مادي كبير تفتقر إليه المستشفيات الحكومية والذي يمكنها من شراء الأجهزة الطبية الحديثة وكذلك الأدوية والمستلزمات الطبية الأخرى".
ويضيف، "وجود المستشفيات الأهلية تضيف قدرات أخرى إلى الإمكانات الحكومية من خلال النوع والكم والاستفادة الكبيرة من خلال استضافة الخبرات العالمية".
ويتابع، "تستطيع المستشفيات الخاصة استقطاب الكفاءات والخبرات العالمية التي لا تستطيع المستشفيات الحكومية استقطابهم".
ويشير المتحدث الرسمي إلى، أن "مستشفى الكفيل أغنت الكثير من المواطنين عن السفر لدول متقدمة طبياً مثل الهند حيث نقلت هذه الكفاءات والاختصاصات الدقيقة من الجراحيين للعمل داخل العراق".
الجانب الإنساني
من جهته يكشف مدير مستشفى الكفيل التخصصي الدكتور جاسم الإبراهيمي عن تكفل علاج الكثير من الحالات المستحقة وذوي الدخل المحدود أو جرحى الحشد الشعبي وغيرها.
ويقول، "إدارة المستشفى عالجت خلال 8 سنوات أكثر من اثني عشر الف مواطن بين معاينة وصرف ودواء وبين إجراء عملية بمجموع مبلغ تجاوز 8 مليارات ونصف المليار دينار عراقي وتم استقدامهم من محافظاتهم لتقديم الخدمات الطبية لهم بشكل مجاني".
وبين، "ان ارتفاع أسعار العمليات تفرضه امور منها سبب ارتفاع سعر الأجهزة المتطورة والتي تضاهي ما موجود عالمياً وتتطلب إلى إدامة مستمرة وهذا يحتاج مبالغ كبيرة، فضلاً عن ان الطبيب الذي يضع الاسعار يراعي احتياجاته وتلك الصرفيات الخاصة بالأجهزة".
ويتابع، "كما إن جميع العمليات التي تجري يقوم بها أطباء متميزون ومختصون إزاء نسبة معينة من المبلغ الذي يدفعه المريض وهم من العراقيين والمغتربين والأجانب من ذوي الخبرة والنجاحات العالمية".
فيما يبين المشرف على اعلام المستشفى الأستاذ جسام محمد السعيدي، ان "أرباح المستشفى تذهب بالكامل الى علاج الفقراء وذوي الدخل المحدود".